د. فواز كاسب العنزي
يصادف يوم الجمعة القادم في العاشر من أكتوبر من كل عام، يتوقف العالم عند محطة بالغة الأهمية هي اليوم العالمي للصحة النفسية، مناسبة تؤكد أن العافية النفسية ليست رفاهية ولا خيارًا ثانويًا، بل هي حق إنساني أصيل، وركيزة تقوم عليها التنمية المستدامة في شتى أبعادها.
وفي البيئة الرياضية، يتضاعف هذا المعنى وضوحًا؛ فالرياضة ليست فقط منافسة على الميداليات، بل هي مدرسة متكاملة يتعلم فيها الرياضي كيف يوازن بين الطموح والتحديات، وكيف يُحوّل الضغوط النفسية إلى طاقة إيجابية. إن الاستقرار النفسي هو الذي يمنح الرياضي القدرة على الاستمرار، وهو الذي يجعل من الهزيمة درسًا ومن النصر دافعًا لمزيد من التواضع والإنجاز.
ولعل أبرز ما تحتاجه المجتمعات اليوم هو تطبيع مفهوم الصحة النفسية؛ أي التعامل معها كما نتعامل مع الصحة الجسدية: شيء طبيعي يمر به كل إنسان، يحتاج إلى متابعة ورعاية دون وصمة أو خجل. فكما يلجأ اللاعب إلى الطبيب لمعالجة إصابته العضلية، ينبغي أن يجد أمامه متخصصًا نفسيًا يعينه على تجاوز الضغوط واستعادة توازنه العقلي والوجداني.
ومن هنا تأتي أهمية نشر ثقافة تواجد الخدمات النفسية في الأندية، الأكاديميات، والاتحادات الرياضية. فالمختص النفسي يجب أن يكون حاضرًا بجانب المدرب والطبيب والإداري، كجزء أصيل من منظومة العمل الرياضي. هذه الثقافة لا تحمي الرياضي فحسب، بل ترفع مستوى الوعي العام، وتجعل المجتمع أكثر تقبّلًا ووعيًا بأن العافية النفسية هي شرط من شروط جودة الحياة.
إن اليوم العالمي للصحة النفسية يذكّرنا بأن التنمية لا تُبنى فقط بالمنشآت والمشاريع، بل تبنى بالإنسان المتوازن نفسيًا، القادر على الإنتاج والإبداع. والرياضة هنا تعكس هذا المعنى بوضوح، فهي المرآة التي تُظهر أن القوة الحقيقية تبدأ من الداخل، وأن الاستدامة الحقيقية لا تتحقق إلا عندما نؤمن بأن الصحة النفسية حق، وحضور خدماتها ضرورة، ووعي المجتمع بها ضمانة لمستقبل أكثر استقرارًا وإشراقًا.