د. أحمد محمد القزعل
الهشاشة النفسية هي نوع من أنواع الاضطراب النفسي، وحالة من الحساسية والرقة المبالغ فيها، مع سرعة الانهزام والانكسار في مواجهة التحديات الاجتماعية المختلفة، وهي عكس المرونة النفسية التي تساعد الشخص على تخطي العقبات، وبالتالي فإن الشعور بالهشاشة النفسية يجعل الفرد يعتقد أن المشكلات التي يواجهها هي أكبر من قدرته على التحمل، وبالمحصلة يغرق الفرد بالأفكار والمشاعر السلبية والأزمات النفسية المتعاقبة، فيبقى رهين الخوف والضغط النفسي (الهشاشة النفسية، د. أحمد محمد القزعل الهاشمي، ص:13).
وتعد الهشاشة النفسية ظاهرةً متزايدةً في المجتمع المعاصر، وتعود لأسباب متعددة تؤثر على الأفراد بشكل عميق، وكما أن لكل شيء طبيعة وعوامل وماهية يتشكل منها كذلك الهشاشة النفسية فهي ليست سمة طبيعية وليست مجرد صفة شخصية، بل تتشكل من مجموعة عوامل كالتربية حيث يمكن أن تزرع المرونة أو الهشاشة منذ الطفولة، وتنشأ الهشاشة من تراكم الضغوطات النفسية والعاطفية منذ الطفولة، فالكثير من الأطفال يفتقرون للدعم العاطفي حيث ينشغل الوالدان بجوانب حياتهم اليومية، مما يؤثر في قدرة الطفل على التعبير عن مشاعره، والأطفال الذين لا يشعرون بأنهم مميزون أو الذين يتعرضون للمقارنات السلبية يصبحون أكثر عرضةً للقلق والاكتئاب وللإصابة بالهشاشة النفسية.
حقيقة إن الجيل الجديد الآن يعاني من الهشاشة بسبب عدم تحمله للمسؤوليات، مما يجعله معتمداً على الآخرين، هذه الفجوة بين التجربة الحياتية الحقيقية وخبرات الشباب تجعلهم أكثر عرضة للضغط، كما أن عدم وجود رقابة أسرية حول تأثيرات المدرسة ووسائل التواصل الاجتماعي يفتح المجال لعلاقات غير صحية، فالشباب يبحثون عن إثبات وجودهم حتى لو كان ذلك من خلال سلوكيات متمردة، وتعزز السوشال ميديا الهشاشة النفسية من خلال تعزيز النرجسية، حيث يركز الأفراد على الذات بدلاً من القضايا الاجتماعية، وتروج هذه المنصات لقيم جديدة تعتمد على الشهرة مما يؤدي للشعور بالقلق والإحباط.
وتتزايد الهشاشة النفسية في مجتمعاتنا مع انتشار هوس الطب النفسي، حيث أصبحنا نشهد تضخيماً للمشكلات البسيطة وتحويلها إلى كوارث نفسية، وتتحول المشكلات البسيطة إلى أمراض نفسية معقدة، مما يؤدي إلى إحالة الأفراد مباشرة إلى العيادات النفسية، وغالباً ما ينتهي الأمر بعلاج طبي ووصفات طبية حتى في الحالات التي كان من الممكن أن تعالج بالتكيف الذاتي أو التوجيه المناسب، لكن ما يجب الانتباه إليه أن العقاقير النفسية قد تؤدي إلى آثار جانبية خطيرة، حيث إن استخدام الأدوية كحل سريع يقلل من قدرة الفرد على التكيف ومواجهة التحديات بنفسه، مما يعزز الاعتماد على العلاج الكيميائي بدلاً من تعزيز الاستجابة الذاتية، كما أن الضغوط المستمرة ونمط الحياة السريع تسببت في فقدان القدرة على التركيز لدى الشباب، هذا ويتجنب الكثير من الشباب مواجهة مشكلاتهم، ويشعر الشباب بالفراغ العاطفي المتمثل بعدم وجود دعم عاطفي كاف من الأهل أو الأصدقاء، مما يؤدي إلى شعورهم بالعزلة والافتقار للأمان النفسي، فيميلون للبحث عن علاقات تعوضهم عن الفراغ العاطفي ويغدون عرضة للعلاقات غير الصحية أو المؤذية، ومع كل ما ذكر فإنه يجب على الإنسان أن يغير من نفسه للأفضل ويتجاوز مرحلة الضعف النفسي وأنه لو كان تغيير الأخلاق مستحيلاً وتبديل الطباع غير ممكن لمـا كان هناك جدوى للنصح والإرشاد، ويقول الإمام الغزالي: «لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات..» (إحياء علوم الدين، الغزالي، 3/ 55).