د. محمد بن إبراهيم الملحم
مستهل هذا الأسبوع يوم الأحد الخامس من أكتوبر وافق يوم المعلم العالمي، ولا شك أن كثيراً من الكلمات والتعبيرات قيلت فيه،كما هو حاله كل عام، فهو ينال ما يستحقه من الاحتفاء، ولكن ما الذي يمكن أن يكون ليتحول يوم المعلم في السعودية من الاحتفاء إلى الأثر، فيوم المعلّم يجب ألا يبقى مناسبةً بروتوكولية، بل فرصة لصناعة أثرٍ مستدام يتمثل في رفع مكانة المهنة اجتماعيًا، وتحسين ظروف العمل، وتمكين المعلّم مهنيًا ونفسيًا، وذلك في توافق مع رؤية السعودية 2030 والتحوّل التعليمي المنشود، فعلى مستوى المدرسة يمكن تفعيل أنشطة تقديرية في هذا اليوم مثل: عرض قصير عن أثر المعلم في مدرستنا (أرقام/قصص)، وكذلك «وقفة تقدير» لمدة 15 دقيقة يتم فيها تكريم معلّم أو فريق عمل بناء على مؤشرات (تحسّن نتائج، مبادرة صفية، خدمة مجتمع)، كما يمكن أن يتاح للمدرسة استخدام نصف اليوم الدراسي لعمل أو ورش تدريب متبادل فيما بينهم أو مجالس نقاش مهني تسهم في تحسين الأداء.
وعلى مستوى إدارة التعليم أوالوزارة فيمكن تحويل هذا اليوم إلى منصة لإطلاق مبادرات صغيرة متكررة تُراكم نتائج كبيرة، فمثلا يمكن أن يكون محطة تكريم بمعايير واضحة يقدم فيها وسام المعلّم المتميز على ثلاثة مستويات: أفضل معلم للصف، أفضل معلم بالمدرسة، وأفضل معلم بإدارة تعليم، ويكون ذلك بمعايير شفافة وظيفية مثل تحسّن تعلم الطلاب، والابتكار التدريسي، والمساهمة المجتمعية، ويمكن أن يستثمر اليوم لنشر قصص نجاح قصيرة على منصات الوزارة، مع مواد إعلامية جاهزة للمدارس والمحافظات، كما يمكن أن تقدم فيه وجبة خفيفة من التمكين المهني Upskilling تتمثل في منصات تدريب معتمدة داخل المملكة تقدم مهارات مهمة مثل: مهارات التقويم، تصميم المهام، توظيف الذكاء الاصطناعي التربوي، إدارة الصف، ويمكن أيضا مكافأة المعلم بتفعيل برنامج «رفاهية المعلّم»: ويتمثل في جلسات استشارات نفسية/إرشادية سرية مدفوعة من الوزارة (لعدد محدد من الجلسات سنويًا حسب أولوية التسجيل وأقدمية الخدمة)، كذلك مكافآت صغيرة متكررة بدل مكافأة وحيدة (مثلاً: بطاقة وقود/كتب/اشتراكات تقنية) وتقدم للمعلّم الفعال حسب مؤشرات معينة وبنسبة معينة كل سنة مع عدم التكرار لمن أخذ الأعوام السابقة، وأيضا إعطاء منح مالية لتأمين أدوات تعليمية مبتكرة مصغّرة لتسهيل الدروس (مثلاً في حدود 2000 ريال) وذلك للمعلّم الذي يثبت أثرا على تعلم الطلاب ليتمكن بهذه المنحة من تأمين مبتكراته التعليمية التي تتطلب كلفة مالية، ويمكن تأمين ذلك من خلال شراكات مع القطاع الخاص لتقديم منح أو خصومات للمعلمين في ما تقدم ذكره، كذلك يمكن عمل حملة مجتمعية بعنوان: «شكراً معلّمي» مع وسم موحّد، ومواد جاهزة للنشر تجعل من يوم المعلم كرنفالاً وطنياً مشهوداً.
أخيرا وفي هذا اليوم يكون اليوم المحدد لنشاط قياس نبض رضا المعلّمين حيث تطبق الوزارة أو هيئة تقويم التعليم استبيانا حول هذه المحاور: وضوح التوقعات، تقدير الجهد، دعم القيادة، عبء العمل.
في الواقع إن المعلّم هو نقطة البداية لكل إصلاح تعليمي؛ ودعمُه ليس هدية موسمية، بل هو في واقع الأمر استثمار يومي دائم. وهناك دول تحتفي بيوم المعلّم بأنشطة واضحة وذات طابع مميز، وهذه أمثلة مختصرة ففي سنغافورة (يوم تكريم المعلم لديهم في أول جمعة من سبتمبر) يتم عمل تكريم وطني منظّم (جوائز المعلمين المتميّزين)، وحملات تقدير مجتمعية، وتخصيص اليوم لأنشطة تطوير مهني يقودها المعلّمون داخل المدارس. كما أن منصات الوزارة تنشر قصص نجاح قصيرة وقابلة للتطبيق، وفي كوريا الجنوبية وفي 15 مايو سنوياً يقوم التلاميذ والخريجون بتقديم زهور القرنفل ويزورون المعلّمين، وتطبق فعاليات بالمدارس والجامعات بقيادة الطلاب، مع رسائل شكر تبثّ إعلاميًا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية (أسبوع تقدير المعلم يكون في مايو) تقدم فيه مبادرات PTA وتشمل وجبات تكريمية، وصناديق أدوات صفّية ممولة من المجتمع، وخصومات من شركات وطنية، وفي الصين (10 سبتمبر) تقام حفلات مدرسية، وتكريم رسمي على مستوى المقاطعات، وتغطيات إعلامية واسعة لشخصيات تعليمية مؤثّرة، وفي فيتنام (20 نوفمبر) هناك زيارات طلاب وخريجين لمعلّميهم مع عروض فنية مدرسية، ورسائل شكر مكتوبة، وأنشطة مجتمعية واسعة داخل المدارس، أما في المكسيك (15 مايو) فيتم عمل احتفالات مدرسية ونقابية، ومسابقات تعليمية وتكريم رسمي في كل الولايات، وفي الإمارات تقدم جوائز وطنية ومحلية للمعلمين، وحملات على منصات التواصل، ومبادرات شراكة مع متاحف ومؤسسات ثقافية لدخول مجاني أو مخفّض للمعلمين، وفي كل من المغرب وتونس (في تواريخ قريبة من 5 أكتوبر – العالمي) تقام أنشطة مدرسية يقودها الطلاب (عروض، جداريات شكر)، وتكريم داخلي مع شهادات تقدير رسمية. أترقب ما الذي سيكون لدينا السنة القادمة في يوم المعلم إن شاء الله.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً