فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
2013 - 2025 كانت مواعيدي مع (ذي عين) في زيارتي الأولى، كانت مع زملاء التعليم، وكانت أول درس نتعلمه 2013 عن تلك القرية الأخاذة والحالمة، ثم كانت زيارتي الثانية متذكراً جمال القرية وطيبة أهلها.
قرية (ذي عين) التراثية إحدى أهم القرى التراثية في منطقة الباحة؛ إذ تقع في محافظة المخواة بقطاع تهامة. وقد رجّحت هيئة التراث بأن تاريخها يعود للقرن العاشر الهجري؛ ما يعني أن عمرها يفوق 400 عام، وقد تميزت عن قريناتها من القرى الأخرى بوجود مصدر مائي ثابت من عينها الجارية على مدار العام لا يقل ولا يزيد، وتميزت بموقع جغرافي؛ حيث تحيط بها المرتفعات الجبلية من الناحية الشمالية والجنوبية والشرقية، أما من الناحية الغربية، فهي تطل مباشرة على (وادي راش)، وكانت تسمى قديما بـ(قرية الرخام) نظير ما استخدم من حجارتها في الحرم المكي الشريف في منتصف السبعينات الهجرية في عهد الملك سعود بسبب برودته، وقد شيدت قصورها على جرفٍ أبيض بشكل هرمي بواقع 49 قصرا تراثياً (9) منها من دور واحد و(19) من دورين و(11) من ثلاثة أدوار و(10) من أربعة أدوار ويسمى الحجر الذي بنيت به (ماربل وشست) وهي صخور متحولة من أصل جيري تحولت بسبب الضغط الحراري إلى تلك الصخور الزاهية الألوان.
قصة قصر بنات العباد
تحكي القصة أنه جاء إلى (صالحة العبَّاد) رجل من جنوب الجزيرة العربية كان قاصداً الحج، وعند إحساسه بدنو أجله قصد صالحة العبّاد في ذي عين، وهو مرتدٍ جاعداً على ظهره، فسلم عليها وأبلغها بأمره، فرحبت به وأبلغته بأنهن بنات لا يوجد لديهن رجل، فأمرت خادمتها بتهيئة مكان له بسور القصر وظلت تعطيه زاده كل يوم، وبعد العصر شاهد الغريب صالحة وهي تطل على بلادها الزراعية من بداية قصرها فأنشد قائلاً:
لا وهنيّك يا الذي في الخلفِ قاعدي
ألفٍ مشخص يوف جاعدي
لا واهنيك يا الذي في الخلفِ قاعدي
تلقي الفوائد يوف جاعدي
بعد ثلاثة أيام توفي ذلك الغريب، وأبلغت صالحة أهالي القرية فدفنوه في مقابر خاصة بالغرباء، ثم تصدقت بثلاث من الغنم لروحه، وبعد عدة أسابيع شاهدت صالحة بريقاً ولمعاناً في جاعد ذلك الغريب، ففتحته ووجدت فيه ألف جنيه من الذهب وعلى الفور تصدقت بها لروح ذلك الغريب.
وتشتهر (ذي عين) بجودة مزارعها بالموز البلدي والكادي، وبعض الموارد الطبيعية، وتباهي بانضمام كاديها (لمنظمة سلو فود العالمية في عام 2022م).
وعملت هيئة التراث بعد موافقة المقام السامي الكريم في عام 2014 على إدراجها بمنظمة اليونسكو العالمية.
وهنا قصة زميلنا بالتعليم سعيد أحمد عارف
الذي عين معلماً في 1410 بأبها وتنقل بين جدة ومكة والمخواة.. حتى عاد إلى قريته بعشق ولهفة بعد تقاعده المبكر في 1-1-1444هـ. لا ليرتاح فحسب، بل ليزرع شجرة من نوع آخر، هي شجرة البن، رمز الصبر والاعتداد. وهناك بين صلابة صخور ذي عين ونعومة أوراق الموز، غرس حلمه لتكون القرية لا تُذكر فقط بتراثها العريق ومائها الجاري، بل - أيضًا - بثمار البن التي تعبق برائحة الأصالة وتروي قصة عشقٍ بين الإنسان والأرض، فبقي أثره شاهدًا على الوفاء لأرضه وأهله.
هذه قرية (ذي عين) جمالها في طبيعتها، لكن أجمل ما شاهدته عيناي وشعر به قلبي، هو كرم وطيبة ودفء مشاعر أهلنا فيها، الذين حملونا في جوف قلوبهم وفي وسط ناظر أعينهم.