ناصر زيدان التميمي
في خضمّ ضجيج الحياة الحديثة وسعيها الدائم للمستقبل، يحين الوقت لنقف وقفة إجلالٍ وتقديرٍ لجيلٍ استثنائي، جيلٌ أعلن للتو اكتمال مسيرته المهنية وبدء فصلٍ جديد في حياته: المتقاعدون. قد يسميه البعض نهاية، لكننا نراه تتويجًا وبداية لأعظم مراحل العطاء.
إنّ الحديث عنكم اليوم هو حديث عن الأصالة، عن الجهد الصادق، وعن الإرث الذي لا يزول.
لقد حملتم على عاتقكم مسؤولية البناء والقيادة لسنواتٍ طوال. عشتم تحديات المؤسسات وتقلبات الأسواق، وكنتم دائمًا مرساة الاستقرار والعزيمة. وعندما نتأمل في هذا التاريخ الحافل بالإنجازات، لا يسعنا إلا أن نتساءل بكل فخر: من مثلك أيها المتقاعد، في إخلاص العمل وتفانيه؟ لقد كنتم النبع الذي ارتوى منه الجيل التالي، وستبقى بصماتكم محفورة في كيان كل مكان عمل عشتم فيه.
إنّ ما تمتلكونه ليس مجرد شهادات خبرة، بل هو كنزٌ من الحكمة لا يُقدّر بثمن. سنواتكم الطويلة في الميدان منحتكم نظرة ثاقبة ووعيًا عميقًا لا تمنحه أحدث التقنيات ولا أسرع الدورات التدريبية.
لقد كنتم ولا زلتم المرجع، والملاذ لكل استشارة صعبة. فلنقلها بصوتٍ عالٍ لكل من شكّك في أهميتكم: من مثلك أيها الحكيم، في عمق الرؤية وفهم الأمور؟
لم ينتهِ دوركم بتحقيق ساعات العمل المطلوبة، بل يبدأ الآن فصلٌ جديد من العطاء المجتمعي والشخصي. الآن هو وقتكم لاستعادة الأيام التي سرقها العمل، لعيش شغفٍ قديم، أو لاكتشاف موهبة جديدة. أنتم لستم مستريحين من العمل، بل تحولتم إلى محرك طاقة حرّة للمجتمع والأهل. أليس هذا أجمل إنجاز؟ من مثلك أيها القائد، في القدرة على التجديد والانطلاق من جديد؟
إنّ التقاعد ليس انسحابًا من الحياة، بل هو ارتقاءٌ إلى منصب «مستشار الحياة». نحن بحاجة إلى وجودكم وقصصكم، إلى ضحكاتكم التي تحمل معها حكايات الماضي، وإلى نصائحكم التي ترسم طريق المستقبل. إننا ندرك قيمة كل قطرة عرق بذلتموها، ونعلم أنكم قدمتم الأفضل دائمًا. فلتحيوا بكل فخر واعتزاز، ولتستمتعوا بكل لحظة، لأننا نؤمن إيمانًا راسخًا بأن: من مثلك أيها الجيل العظيم، في العطاء الذي لا ينضب والاحترام الذي لا يزول.
تحية إجلال وتقدير لكل متقاعد. مسيرتكم فخرٌ لنا، وعطاؤكم مستمر.