د.محمد بن عبدالرحمن البشر
ملامح قرب قيام دولة فلسطينية بدأت بالظهور، حتى وإن رفض نتنياهو وتمنعت الحكومة الأمريكية، فالعالم لم يعد يقبل أن يعيش الشرق الأوسط دون سلام دائم، كما أن العالم يدرك تماماً أن القضية الفلسطينية هي رأس النزاع في المنطقة بسبب تعنت إسرائيل، وأحلام بعض قادتها، متكئين على القوة العسكرية، والدعم غير المحدود من مجموعات الضغط في الولايات المتحدة الأمريكية ذات القدرة المالية الهائلة، والسيطرة الإعلامية المطلقة، والنفوذ السياسي الذي ليس له حدود على كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اللذين حكما ومازالا يحكمان الولايات المتحدة أكثر من قرن دون قيام حزب ثالث منافس، لأسباب ليس هذا مجال الحديث عنها، ولا أحد ينكر أن أمريكا هي أقوى دول العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وتأثيرًا اجتماعيًا وثقافيًا حتى في الطعام والشراب مثل ماكدونالدز وكنتاكي وبيبسي كولا وكوكاكولا.
كان موقف المملكة من السلام في المنطقة هدفًا لم تحيد عنه منذ خلق المشكلة على أرض فلسطين من قبل دول فاعلة في زمن مضى، والمملكة صاحبة مبادرة السلام التي تبنتها جميع الدول العربية والجامعة العربية في قمة بيروت، وأصبحت الركيزة التي يتكئ عليها الموقف العربي في جميع المفاوضات.
وفي الوقت الحاضر وبعد أحداث ومبادرات منذ كامب ديفيد حتى وارسو ووادي عربة وغيرها، ظلت المملكة ثابتة رغم الضغوط، وفي الأسابيع التي مضت كانت المبادرة المدوية للمؤتمر العالمي في الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذي ترأسته المملكة بجانب فرنسا، وكانت بريطانيا وغيرها قد اعترفت بالدولة الفلسطينية قبل قيام المؤتمر بيوم واحد، وقد تجاوزت الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية أكثر من مائة وستين دولة، بينما كان أبرز الدول التى لم تعترف بالدولة الفلسطينية، هي إسرائيل والولايات المتحدة، وهناك دول لم تعترف حكوماتها وليس دولها بالدولة الفلسطينية، مثل إيطاليا والأرجنتين في الوقت الذي تعترف الأحزاب المعارضة والرأي الداخلي داخلها بالدولة الفلسطينية، وهذا يعني أن تغير الحكومة لسبب او لآخر سوف يغير الموقف حيال فلسطين، أما أغلب الدول الباقية التي لم تعترف فليس لها من الأمر شيء، وليس لهم الخيرة من أمرهم.
حرب إسرائيل على غزة، وقتلها للمدنيين والأطفال والشيوخ والنساء، وهدم المنازل على ساكنيها في حدث غير مسبوق، صنفته الأمم المتحدة إبادة جماعية، وهذا يؤكد موقف المملكة من قيام الدولتين حتى تتجنب المنطقة إبادة جماعية أخرى، وحتى ينعم الشعب الفلسطيني بدولة معترف بها دولياً، يعيش في سلام بجانب إسرائيل، وقد أدركت حكومة ترامب الأمريكية الأثر السلبي جداً التي خلفه سلوك حكومة نتنياهو على إسرائيل، فسارعت إلى طرح مبادرة ترامب لإنهاء حرب غزة التي لاقت قبولاً من الدول الإسلامية والعربية، في صيغة مسودتها التي تم التوافق عليها، وقبلت حماس بها، والمفاوضات على كيفية وتوقيت تنفيذ مراحلها جارية في مدينة شرم الشيخ المصرية.
تجري كل هذه الأحداث والمملكة العربية السعودية أبرز الفاعلين لإيجاد الحلول وتذليل العقبات، لما للمملكة وقادتها من مكانة مرموقة على المستوى العالمي، ولما لها من تأثير على الدول الفاعلة التي تربطها مع المملكة وقادتها علاقات تاريخية وثيقة، ولإدراك تلك الدول الفاعلة أن موقف المملكة تبني عليه كثير من الدول في المنطقة وخارجها مواقفها، ليقينهم بعدالة ومنطقية طروحات قادة المملكة، ولسعيهم الصادق لتحقيق السلام بنتائج عادلة، تحفظ للشعب الفلسطيني حقه، كما تحقن دماء أبنائه وبناته وشيوخه وأطفاله، ولهذا فقد سعت وأسهمت المملكة في هذه الأيام مساهمة كبيرة في رسم طريق لقيادة دولة فلسطينية لا بد لها أن ترى النور.