اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لكي تحافظ الدولة على كيانها وتتكيف مع متطلبات زمانها يتعين عليها أن تحسب حساباً للحياة وتقلباتها، وأن تضيف إلى قوتها قوة حليفة تتماثل معها في المصالح العليا والغايات النهائية.
والمملكة وباكستان تجمع بينهما أواصر الانتماء الديني والأخوة الإسلامية والمصلحة المشتركة والحاجة إلى مواجهة الخطر المشترك الذي هو أفضل دافع إلى العمل المشترك، الأمر الذي فرض عليهما تتويج العلاقة الأخوية والشراكة التاريخية بينهما باتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك لتعزيز أمنهما ورفع مستوى التعاون الدفاعي بينهما وتوفير الردع المشترك ضد أي عدوان استناداً إلى المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تعتمد فلسفتها على مشروعية الدفاع الجماعي عن النفس.
والتحديات والتهديدات ذات الطابع الأمني والجيوسياسي تحتم على الدولتين الإعداد والاستعداد لمواجهتها والتعامل معها بشكل يصون المصالح المشتركة ويوفر أفضل الظروف لتحقيق الأهداف، وذلك عن طريق قدرة الحليفين على المواجهة المباشرة وامتلاك مصداقية الردع في بيئة أمنية ذات موثوقية ترسم مساراً جديداً للتحالفات، وتخلق توازناً أمام التهديدات، وتعيد الاعتبار لإحياء فكرة العمل العربي والإسلامي المشترك، وما يتطلبه ذلك من تعزيز الردع الإقليمي وكبح التطرف الصهيوني.
واتفاقية الدفاع الإستراتيجية المشترك بين الطرفين تنبثق من إستراتيجية شاملة ومصلحة عليا ذات أبعاد دينية وتاريخية وسياسية وأمنية واقتصادية تحرص الدولتان على تطويرها والمحافظة عليها، باعتبار ذلك يمثل رسالة ردع ودعوة إلى التوازن ومرحلة فاصلة في الحسابات الإقليمية والدولية على النحو الذي يوفر بدائل للتحالفات، ويعيد تشكيل المعادلات ويرسل رسائل ذات مدلولات.
والمملكة يربطها بباكستان علاقة دفاعية طويلة الأمد تمتد لما يقارب ثمانية عقود والاتفاقية تشكل تأكيداً لهذه العلاقة وتكريساً لها، ومحصلة لمسار طويل من الشراكة الإستراتيجية في مختلف المجالات وبالتحديد المجال العسكري، حيث إن العلاقة بين البلدين ليست مقصورة على السياسة والاقتصاد، بل تتجاوز ذلك إلى ما يمكن أن يطلق عليه علاقة إستراتيجية ذات بعد ديني وأمني يجعلها ركيزة أساسية تؤثر تأثيراً مباشراً في توازنات المنطقة.
وتعد الاتفاقية نتيجة طبيعية لعقود زمنية من الشراكة الدفاعية الحافلة بأشكال التدريب العسكري والمناورات البرية والجوية والبحرية وتبادل المعلومات والاستخبارات والإنتاج الدفاعي، وما يرتبط به من النشاطات العسكرية بالغة الأهمية والتخصصات الحرجة التي تمثل الاتفاقية بالنسبة لها مرحلة متقدمة ونقلة نوعية على طريق الردع المشترك الذي يعكس الإرادة السياسية لتوطيد الأمن الاقليمي والدولي.
والمملكة تمتلك عناصر قوة وطنية متوازنة تتمحور حول مكانتها الدينية وسياستها المعتدلة واقتصادها المتين، وما تنتجه من طاقة نفطية مؤثرة، ويتوفر لها من قدرات دفاعية متطورة انطلاقاً من مركزها الديني وثقلها الاقتصادي ووزنها السياسي ودورها القيادي.
ومحورية المملكة ومكانتها الإقليمية والعالمية وموقعها الإستراتيجي يلتقي ذلك مع دولة باكستان صاحبة الرقم الصعب في المعادلة الإسلامية والقوة العسكرية المحسوبة والأسلحة النووية الرادعة والموقع الجغرافي الإستراتيجي والكثافة السكانية والخبرة في مجالات الصناعة العسكرية والتجارب الميدانية.
وعلى ضوء ذلك فإن التحالف بين المملكة وباكستان يعتبر ضرورة حتمية للتصدي للتطرف والإرهاب مهما كان مصدره ومقاومة مشاريع وأطماع الصهيونية والقوى الاستعمارية، ومقاومة الاستعمار يمكن أن تكون من خلال مقاومة التشرذم والتخلف والانهزامية مع عدم الاعتماد على أي قوة أخرى على حساب السيادة وحرية الإرادة، وكل خطوة باتجاه التحالف والتكاتف فيها إضعاف ضمني للاستعمار وإفساد مخططاته وطرق استغلاله وفتح آفاق جديدة نحو الاستقرار والاستمرار والازدهار.
والمملكة تدرك بعناية المهددات الإقليمية وتعيد ترتيب التحالفات طبقاً لحسابات دقيقة ونظرة بعيدة بحيث ترى من خلالها في الاتفاقية بداية فعلية وخطوة تصويبية لأي تحالف في المستقبل خاصة وأن التعاون العسكري مع باكستان لم يكن جديداً ولكن الاتفاقية تضفي عليه صفة الشمولية وتعتبره خطوة هامة في ظل التطورات المتسارعة والأحداث المتلاحقة في المنطقة، كما تضع الاتفاقية جملة من الاحتمالات المفتوحة أمام المملكة في حالة غياب الثقة بالوعود الأمنية وتجاوز الحدود المرعية من بعض الشركاء كما هو الحال بالنسبة للشريك الأمريكي الذي يوجد أزمة ثقة بينه وبين دول الخليج مما يتطلب البحث عن بدائل أكثر موثوقية.
والاتفاقية تعتبر بمثابة مرحلة جديدة في معادلة الأمن الإقليمي التي تعمل المملكة بموجبها على تنويع تحالفاتها وتعزيز قدراتها العسكرية، استجابةً للمتغيرات الجيوسياسية التي تستدعي المزيد من التحالفات والدعم العسكري بعيداً عن الارتهان لحليف واحد فيما يتعلق بالقضايا الأمنية والإستراتيجية.
وعلى الجانب الآخر فإن الاتفاقية تزيد من رصيد باكستان ضمن المنظومة العربية والإسلامية وتدعم حضورها السياسي والاقتصادي وتفتح الباب أمامها للتطور التكنولوجي في مجال الدفاع، كما أن هذه الاتفاقية بقدر ما تعمل على تطوير التعاون الدفاعي وتعزيز الردع المشترك بين المملكة وباكستان بقدر ما تمنح باكستان فرصا استثمارية واعدة للتبادل الاقتصادي والتجاري مع دول الخليج.
وقد أتاحت الاتفاقية المجال لباكستان لإثبات وجودها وتعزيز موقعها على مستوى العمل العسكري التقليدي وما فوق التقليدي وصولاً إلى مستوى الإقليمي، مشكلةً هذه الاتفاقية نواة لمعاهدة يمكن الانضمام إليها من دول أخرى ضمن معادلة أمنية وسياسية تجمع بين الاقتصاد والمصالح التنموية والالتزامات الأمنية، إذ إنه من الصعب فصل التعاون الاقتصادي عن المسار الدفاعي.
والأحداث الراهنة على المستوى الإقليمي والعالمي أثبتت أن طرفي الاتفاق بحاجة إلى كل منهما، فالمملكة في حاجة إلى شريك دفاعي يمتلك قوة ردع غير تقليدية لتأمين عمقها الإستراتيجي ومواجهة التهديدات القائمة والقادمة، وباكستان تعمل لإثبات وجودها والحصول على دعم اقتصادي يساعدها على تجاوز ازماتها المالية ومعاناتها الاقتصادية.
والبعد الردعي الصريح والنص المعلن الفصيح يكشفان عن بنية دفاعية ملزمة أمنياً وسياسياً بين المملكة وباكستان ينطبق مظهرها على جوهرها من خلال التأكيد على أن أي عدوان على أي منهما يعد اعتداء على الآخر، مما يعطي الاتفاق قيمة غير تقليدية وميزة ردعية عبر المزاوجة بين المكانة الدينية والسياسية والاقتصادية للمملكة والقوة الخشنة الصاعدة لباكستان.
وقيادة المملكة ترسم خياراتها وتوازن بين مساراتها وتعرف اتجاهاتها حيث تبذل جهداً جهيداً لحل القضية الفلسطينية وإخراج المنطقة من دوامة الحروب الطاحنة ودائرة العنف المزمنة وفي الوقت نفسه تعمل على تعزيز عناصر القوة الوطنية وبناء تحالفات دفاعية تتخذ من الردع بالقوة والدعوة إلى السلام سبيلا إلى إعادة صياغة المشهد في منطقة الشرق الأوسط بما يخدم الأمن والسلم والإقليمي والدولي.