خالد محمد الدوس
ولد عالم الاجتماع «بيتر لودفيج بيرغر» في عام 1929 في العاصمة النمساوية فينا وعندما بلغ سن السابعة عشرة من عمره هاجر مع والديه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية وفي عام 1952 أصبح مواطنا متجنسا وتزوج عام 1959من عالم الاجتماع الأمريكية بريجيت كيلنر وكانت عالمة بارزة ورئيسة قسم الاجتماع في بوسطن..شكلت دعما قويا في بناء فكر اجتماعي ثري لهذا العالم الراحل فلقبت بأسرة علم الاجتماع..!
وبعد استقراره في نيويورك التحق بالدراسة الجامعية في كلية فاغنر ونال درجة البكالوريوس، ثم واصل تعليمه العالي ونال درجتي الماجستير والدكتوراه في علم الاجتماع عام 1954 وانطلقت مسيرته الأكاديمية والمهنية في علم الاجتماع في جامعة جورجيا في كولومبوس مستفيدا من احتكاكه وتواصله مع علماء الاجتماع العباقرة الذين سبقوه في هذا المجال.. ثم درّس في العديد من الجامعات الامريكية.
أسس العالم الراحل بيتر بيرغر معهد الثقافة والدين والشئون الدولية بجامعة بوسطن وتولى إدارتها، وتدرجت أعماله ضمن ما يعرف بعلم الاجتماع الظاهراتي أو الفينومينو لوجي وهي امتداد لأعمال مؤسس علم اجتماع المعرفة النمساوي الشهير الفريد شوتز الذي تأثر بمنهجه وفكره في ميدان علم اجتماع المعرفة هذا الفرع الحيوي الذي يعد من أهم فروع علم الاجتماع العام ويدرس العلاقة بين الفكر الإنساني والسياق الاجتماعي، وكيف تتأثر الأفكار والنظريات والمعتقدات بالعوامل الاجتماعية مثل الطبقة والجنس والعرق والسياق التاريخي لتتحول إلى»معرفة» ذات أساس اجتماعي تتشكل من تفاعل الناس وتؤثر بدورها على المجتمعات البشرية.
حيث ركز بيتر بيرغر في أبحاثه ودراساته في هذا الميدان الخصب وكان غزير الإنتاج وقد ألف أكثر من عشرين كتابا، ومن أبرز مؤلفاته كتاب البناء الاجتماعي عام 1966 والذي كرمته الجمعية الدولية لعلم الاجتماع الامريكية كأحد أكثر خمسة كتب تأثيرا في علم الاجتماع في القرن العشرين، وكتاب الحداثة، والتعددية وأزمة المعنى، وغيرها من المؤلفات التي أثرت مكتبة علم الاجتماع وتراثه الأصيل . وعلى وجه التحديد في مجالات علم اجتماع المعرفة وعلم الاجتماع الديني بعد ان قدم في الفرع الأخير اسهامات كبيرة في فهم العلاقة بين الدين والمجتمع الحديث.
اهتم بدراسة علم الاجتماع الإنساني مركزاً على دور الفرد في تشكيل المجتمع وكيفية تفاعل الفرد مع مجتمعه مؤكدا وجود علاقة ديالكتيكية بين الفرد والمجتمع وقد تأثر بفكر العالم الألماني المعروف ماكس فيبر والعالم الفرنسي الشهير إميل دوركهايم، والأب الروحي للنظرية الصراعية كارل ماركس، ودمج بين أفكارهم ونظرياتهم في منهجه السوسيولوجي، ويعد أحد أبرز مفاهيمه هو أن الواقع الاجتماعي يبنى من خلال التفاعل الاجتماعي والمعاني التي يعطيها الأفراد لتجاربهم وأن المجتمع هو واقع موضوعي وذاتي في آن واحد، كما أشار الى ان الفرد في المجتمع يشبه إلى حد ما دمية تتحرك بخيوط، ولكنه يملك إدراكا ووعيا يمكنه من التحرر والتغيير مما يمنح علم الاجتماع طابعا إنسانيا يركز على حرية الفرد وإمكاناته، ولذلك كان للعالم بيتر بيرغر تأثير واسع في علم اجتماع المعرفة ونظرية البنية الاجتماعية، وترك إرثا كبيراً في فهم كيفية بناء الواقع الاجتماعي والتفاعل بين الفرد والمجتمع، خصوصا بعد أن استعان العالم بيتر بيرغر بالنظريات الفينومينو لوجية لفهم المعاني والخبرات الذاتية للأفراد، وكيف تتحول إلى معاني موضوعية مشتركة عبر عملية التفاعل الاجتماعي.
توفي عالم الاجتماع الأمريكي « النمساوي الأصل» بيتر بيرغر عام 2017 عن عمر يناهز 88 عاما إثر مرض عاني منه.. وقد ترك إرثا غنيا في علم اجتماع المعرفة وعلم الاجتماع الديني وشكلت مساهمته الرائدة في فهم العلاقة المعقدة بين الدين والثقافة والمجتمع ليصبح بالتالي من رواد علم الاجتماع الحديث في المجتمع الأمريكي.