أ.د.صالح معيض الغامدي
كنت أقرأ في كتاب سيرة نجيب المانع الذاتية» ذكريات عمر أكلته الحروف. (النص الأصلي والكامل) «الذي قام بإعدادها والتقديم لها الأستاذ محمد بن عبدالله السيف الذي تفضل علي بإرسال نسخة من هذا الكتاب مع عدد من الكتب «السيرغيرية» الجميلة والمجودة التي قام بتأليفها، فوجدت المانع يقول بأنه سيكتب سيرته هذه على غرار «اللامذكرات»، لكي يتفادى بعض العقبات التي واجهته فيما يتعلق بالحساسيات المرتبطة بالكتابة الصريحة عن الآخرين، الأحياء منهم والأموات، وهذا الأمر خلق تحديا أمامه، عبر عنه وجادله على النحو التالي: «فإذا تعذر على كاتب السيرة والسيرة الذاتية أن يعالج الأحياء والأموات، فماذا يبقى له سوى ذاته، يقلبها وجها لبطن وبطنا لوجه حتى يجعل القارىء يسأم هذا الاستعراض النرجسي لأفعاله وأقواله وسحنته»؟!
ولذلك قرر المانع تجاوز هذه الإشكالية كتابة سيرته الذاتية على نموذج «اللامذكرات»أو»المذكرات المضادة» ليتمكن من كتابة سيرته بطريقة غير تدرجية وكرونولوجية وإنما بطريقة حرة تمكنه من القفز أو التنقل بين المراحل العمرية المختلفة ذهابا وإيابا، كما قرر أن يحتال على أسماء الأشخاص الأحياء فيخفيها كما تختفي في الروايات المتخيلة، وذلك بحسب الضرورة. ولا غرابة في هذه السياق أن يشير المانع في سيرته الذاتية إلى رولان بارت الذي كتب سيرته (رولان بارت بقلم رولان بارت) بطريقة متشظية ترفض الالتزام بالطريقة التقليدية السائدة.
وهذا جعلني استدعي مصطلحات أخرى متقاطعة مع هذا المصطلح يستعملها الكتاب المبدعون وصفا لكتابة سيرهم الذاتية، ويستعملها النقاد وصفا لمواقفهم من السيرة الذاتية التقليدية وتلقيها ودراستها، وذلك لكي نحاول الوقوف على أهم الفروق بين دلالاتها. وهذه المصطلحات هي «السيرة الذاتية/ المذكرات»و«اللاسيرة ذاتية /اللامذكرات» و«السيرة الذاتية المضادة»و«التخييل الذاتي».
فالسيرة الذاتية التقليدية، كما هو معروف، هي الكتابة الحقيقية الصريحة عن الذات من خلال سرد تدرجي متماسك يتمحور حول حياة كاتبها، أما اللاسيرة ذاتية أو اللامذكرات فهي السيرة الذاتية التي توظف الخيال والاستراتيجيات السردية الروائية لتحسين السيرة الذاتية فنيا ولتجاوز بعض إشكالياتها التي أشار إليها نجيب المناع في سيرته. أما مصطلح السيرة الذاتية المضادة» فهو مصطلح يشير الى فكرة تقويض جنس السيرة الذاتية التقليدية من أساسه إذ يقول باستحالة كتابتها، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا. أما التخييل الذاتي فهو مصطلح يشير، وفقا لتعريف بعض الدارسين، إلى «الرواية التي تعترف بسيرذاتيها».
والحقيقة أن المانع كان يمتلك وعيا نقديا ونظريا جيدا حول السيرة الذاتية وماهيتها قبل أن يكتب سيرته، كما يشير الاقتباس التالي الموجه إلى صديقه الذي يرى أن على كاتب السيرة الذاتية أن يركز على الأحداث دون الأفكار: « عندما علم صديق بأنني سأكتب ذكرياتي الأدبية، قال لي: «أرجوك لا تطرح أفكارا، بل اكتب لنا عن الأحداث»، وكان استغرابي شديدا لهذا القول، فجدير بهذا الصديق أن يكون أدرى بما ينبغي للسيرة الذاتية أن تتناول. ذلك أن ما من سيرة أو سيرة ذاتية تسرد الأحداث وحدها».
وربما أعود إلى هذه القضية عندما أكتب عن سيرة نجيب المانع هذه بشيء من التوسع.