د.محمد الدبيسي
ظهرَ مصطلح (الأدب الحديث)، وتكرَّرَ وروده في كثيرٍ ممَّا كتبه الأنصاريُّ، في افتتاحياته أعداد المنهل الأُولى، بل سبقَ اهتمامُهُ به، إنشاء المنهل وصدورها، يقول في حديثه عن مرحلةِ التفكيرِ في إنشاء المجلة: «وقد تذاكرنا وتداولنا البحوثَ في هذا الموضوع، الذي نراهُ حيويًّا بالنسبةِ للأدبِ الحديثِ النَّاشئِ على أيدينا في المدينة المنورة، حتى لا ينفلتَ الزِّمامُ من أيدينا».
فهو يرى أنَّ (نشأة الأدب الحديث) في المدينة المنورة؛ كانت على يديه، ويرى أنَّ المنهل حين صدورها؛ كانت لسانَ حالَ ذلك الأدب الحديث، الذي يخشى (انفلاتَ زمامه من يديه)، وهو وإن ساقَ الحديثَ بـهذه الصيغة الجماعيَّة: (تذاكرنا، وتداولنا، نراه، أيدينا)، فهو لا يعني غير نفسه، وصديقه الشاعر عبيد مدني، ثم يؤكِّد ذلك، ويحدِّدُ تاريخه، بقوله: «كان ذلك في حوالي سنة 1345ه، وكان الحديثُ يدور حول الأدبِ الحديث، ولم يكن إذ ذاكَ في المدينة المنورة كاتبٌ أو شاعرٌ واحدٌ..، يتعاطى أيَّ لونٍ من ألوانِ الأدب الحديث»، وسوف يقوِّضُ بعد حينٍ؛ دعوى عدم وجود من تعاطى الأدب الحديث قبلَهُ في المدينة المنورة، كما سنرى.
وقد أشار الناقد الأستاذ حسين بافقيه، إلى مسألة ريادة عبد القدوس الأنصاري، وعبيد مدني؛ الأدب الحديث بالمدينة المنورة، وناقشها بموضوعية، وعرض إلى نماذج من الأحوال الثقافية، والأدبية في تلك المدة - التي تؤكِّد عدم صواب ما ذهب إليه الأنصاري - في كتابه (أًلِفٌ لا شَيءَ عليها تَكْوينُ أُدباءِ الرِّعِيلْ)، الصادر عن نادي الطائف الأدبي، ط1، 1443هـ = 2022م.
وأمَّا خُلاصةُ ما كتبه الأنصاريُّ في الأدب الحديث، وحوله، وتعريفه له، ووعيه بمظاهره؛ فقد أبانَهُ في بعض مقالاته في المنهل، ثم تركّزَ وتكثَّفَ في كتابه العجيب: (أدبُنا الحَديثُ كيفَ نَشَأَ وكيفَ تَطَوَّر)، وقصةُ هذا الكتاب، التي شهدتُّها بنفسي: أنَّه أثناء إعداد نادي المدينة المنورة الأدبي؛ لملتقى العقيق الثقافي في دورته الأُولى 1428ه = 2007م، التي جعلَ موضوعَها: (عبدالقدوسُ الأنصَاريُّ وإسهاماتُه العلِميَّةِ والثَّقافيَّة)؛ كلَّفَ لجنةً علميةً تتولى اختيارَ محاورَ الملتقى العِلْميَّةِ، وموضوعاتِهِ وإقرارِها، وكان الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري - رحمه الله - من بين أعضاء تلك اللجنة، وأثناء أحد اجتماعاتها؛ ذكرَ أنَّه يحتفظُ بكتابٍ مخطوطٍ لم يُطبع بعدُ، لعبدالقدوسِ الأنصاري، وأنَّه راجعَهُ وأعدَّهُ للنشرِ، فأقرَّتِ اللجنةُ أن يَطبعَ النادي هذا الكتاب، ويصدرَ إبان ذلك الملتقى، ويوزَّعُ على المشاركين فيه، ثمَّ يُتاحُ للقُرَّاء والباحثين، وقد كان ذلك.
وممَّا جاء في هذا الكتاب، قول عبدالقدوس الأنصاري: «يستطيع الباحِثُ المُدقِّقُ الحَصَيفُ، أن يُحدِّدَ الفترةَ التي غُرِستْ فيها بذورُ الأدبِ الحديثِ، في كلٍّ من مكة وجدة والطائف والمدينة؛ بسنة 1342هـ = 1923م. وبوسعِهِ أن يُحدِّدَ الظَّرفَ الذي بدأتْ فيه براعمُ هذه البذورِ في تلك المدن؛ بسنة 1345هـ = 1926م، حتى سنة 1349هـ = 1930م. أمَّا الثَّمارُ فقد بدأ ظهورُها من سنة 1351هـ = 1932م، وانتهى في 1360هـ = 1940م، وهذه الفترةُ التي تبدأُ بسنةِ 1342هـ = 1923م، وتنتهي سنةَ 1360هـ = 1940م، هي التي يتحدَّثُ عنها هذا الكتاب، ويقصرُ حديثُهُ عليها، لأنَّها تمثِّلُ بحقٍّ حقبةَ نَشْرِ الأدبِ الحديثِ في هذه البلاد».
ولا مُشاحَةَ في هذا التقسيم، الذي رأى فيه كيان الأدب (بذورًا وبراعمًا وثمارًا)، واتخذ هذا التصوير البياني؛ إمعانًا في تأكيد نسبة ميلاد الأدب الحديث لصاحب الكتاب، ومن اختاره شريكًا معه في هذه الريادة. وخُلاصَةُ الحديثِ في التواريخ التي ذكرها آنفًا، والذي يهمُّنا منها، قوله: (..وهذه الفترةُ التي تبدأُ بسنةِ 1342هـ، وتنتهي سنةَ 1360هـ، هي الفترةُ التي يتحدَّثُ عنها الكتاب، لأنَّها تمثِّل بحقٍّ حقبةَ نشرِ الأدبِ الحديث)، وفي الصفحة التالية: مقدمةِ الكتاب، يقول: «هذا الكتابُ غريبُ التَّكوينِ، أحدُ نِصفَيهِ قديمٌ، كُتِبَ مع نشأةِ الأدبِ الحديثِ في هذه الديار، أي منذ واحدٍ وخمسين عامًا؛ فقد رُتِّبَ وهُيئَ للنشرِ في سنة 1347هـ، فإذا أضفنا إلى ذلك التاريخ، تاريخَ عامنا الحاضر 1398هـ، الذي وُلِدَ فيه النِّصفُ الثاني من الكتاب؛ اتَّضحَ للقارئِ طولُ الفترةِ التي بين ميلادِ النِّصفِ الأوَّلِ، والنِّصفِ الثاني».
فكيف يستقيمُ قولُهُ: «إنَّ الفترَةَ التي يتحدَّثُ عنها الكتاب، ويقصرُ حديثه عليها، تنتهي سنة 1360هـ = 1940م»، مع قولِهِ: «تاريخ عامنا الحاضر 1398هـ، الذي وُلدَ فيه النِّصفُ الثاني من الكتاب»، وهو قد جمعَ نِصفيَّ الكتاب، وهيأهُما للنشرِ في كتابٍ واحدٍ..!
ثم ذَهَبَ إلى الحديثِ عن عنوان الكتاب، وملابساتِهِ، بقوله: «وجديرٌ بالذِّكرِ أن نشيرَ هنا، إلى الاسمِ الذي وضَعتُه للقِسمِ القديم، كان (أوَّلُ أثرٍ ظهرَ)، بمعنى أنَّه أوَّلُ أثرٍ ظَهرَ من آثارِ نشأةِ الأدبِ الحديثِ في رُبُوعنا»، ثم وضَّحَ كيف انتهى هذا الاسمُ، إلى اسمٍ جديدٍ هيَّأَ الكتابَ للنشر تحته، وبعد ذلك، رأينا أنَّ الكتابَ ظَهَرَ به بعد وفاة الأنصاري، بـــ(خمسةٍ وعشرين) عامًا. وقد تحدَّثَ عن قيامه بضمِّ جزئيَّ الكتاب في كتابٍ واحدٍ يجمَعهُما، بقوله: «وبعد أن هُيئّ لي أن أجمعَ شملهُما، وأُوحدَ كيانهُما؛ رأيتُ أن أضعَ اسمًا جامعًا لماضي هذا الأدبِ وحاضرِهِ، منذ نشأته وخلال تطوُّرِهِ، وقد كان الاسمُ الجديدُ هو: (أدبُنا الحَديثُ كيفَ نَشأَ وكيفَ تطوَّرَ)، وكل ما آملُهُ أن يكون سجلَّا صادقًا ودقيقًا لتاريخ هذا الأدب منذ رأى النور، حتى الآن». وكان الناقد الدكتور سعيد السريحي؛ قد نبَّهَ إلى الملابسات والتناقضات، في حديثِ الأنصاري، حول كتابه هذا، والمدة الزمنية الطويلة بين تهيئته للنشر في جُزأيه، ثم نشرِهِ..الخ، وذلك في محاضرة ألقاها في نادي المدينة المنورة الأدبي، مساء يوم الأربعاء الموافق 5/ محرم/1436هـ = 29/أكتوبر/2014م، ثم نَشرتْ صحيفة الوطن تغطيةً صحفيةً للمحاضرة، وما دار فيها، في عددها الصادر يوم الخميس 6/ محرم/ 1436هـ = 30/أكتوبر/2014م. وسأعرضُ ملحوظات السريحي، هنا، ثم اُتبِعُها بنقاشِ مضامينها، وما أُوافِقُهُ فيه منها، وما أختلف معه حوله، سواء ما قرَّرَه منها، أو ما افترضه، يقول السريحي:
- هُيِّءَ الجزءُ الأولُ من الكِتابِ للنشرِ عام 1347هـ.
- وُلِدَ الجزءُ الثاني منه عام 1398هـ.
- نُشرَ الكتابُ عام 1428هـ = 2007م، أي بعد وفاةِ الأنصاريِّ بـ(خمسةٍ وعشرين) عامًا.
- ثمَّةَ فجوةٌ زمنيةٌ واسعةٌ في مراحِلِ تكوينِ الكتابِ؛ تثيرُ التساؤلات.
- لم يُشر الأنصاريُّ إلى هذا الكتاب ضمن قائمةِ كُتبه، في حديثه أثناء تكريمه في إثنينية عبدالمقصود خوجة، عام 1403هـ. وانتهى السريحي في حديثه حول الكتاب، وبعد إيراده هذه الملاحظات، وغيرها، إلى القول: (إنَّ أوَّلَ أثرٍ ظهرَ، لم يظهر بعد)!.
فأمَّا إنْ كان السريحي، يُشكِّكُ في نسبةِ الكتاب للأنصاري، فذلك بعيد، والحقُّ أنَّ من يتأمَّلَ الكتاب، وموضوعاته، وهي (تسعة عشر) موضوعًا؛ لا ينتابه شَكٌّ في أنَّ الكتابَ، وما احتواه ووعاه، هو من صُنْعِ الأنصاري، فالأفكارُ الواردةُ فيه هي أفكاره، التي بثَّها في مقالاته في المنهل، وفي غيرها من الصحف، والأسلوبُ أسلوبُهُ، بلزْمَاتِهِ وسماتِهِ، ولا سيما حديثه عن الأدب الحديث، الذي هو سببُ اهتمامنا نحن بهذا الكتاب، في وارِدِ حديثنا عن الأنصاري، وريادة الأدب الحديث، التي فُتنَ الأنصاريُّ وأُولع بها، وأوردها في كتابه (سبعٍ وثلاثين) مرة، في سياقات متعددة، سنأتي على أهمِّها.
ثمَّ إنَّ الكتابَ في أصله المخطوط؛ كان في عهدةِ تلميذ الأنصاري، وأحد خواصِّ أقربائه، الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، وكان عليه حفيظًا أمينًا، وهو من أعدَّهُ للنشر، ودفعَ به لنادي المدينة المنورة الأدبي، لنشره عام 1428هـ = 2007م؛ بمناسبة إقامة النادي مُلتقىً ثقافيًا، بعنوان: (عبدالقدوس الأنصاري وإسهاماته العلمية والثقافية)، كما بينَّا سابقًا.
كما أنَّ ممَّا يدحضُ فكرةَ أنَّ الكتابَ بقسميه، أحدهُما أو كلاهما؛ ليس من إنشاء الأنصاري؛ أنَّه تضمَّنَ موضوعاتٍ وأحداثًا تخصُّ الأنصاري نفسه، وتحدَّثَ عنها حديث القائم بها أصالةً، وليست مروياتٍ عن غيره، ومنها حديثه عن روايته: (التَّوأمان) التي صدرت عن مطبعة الترقي، دمشق، ط1، 1349هـ = 1930م، ثم صدَرَت بطبعاتٍ أخرى، وقد تحدَّثَ الباحثونَ والنٌّقادً كثيرًا عن هذه الرواية، وأوَّليتِها التاريخيَّةِ، والأفكَارِ التي بثَّها كاتُبُها فيها، وما إلى ذلك من أفكارٍ محَافِظةٍ يعتقِدُها الأنصاريُّ، وحمَّلَها سياقاتِ هذا العَملِ السَّرديِّ الرَّائد. وكذلك حديثه عن نشأة الأدب بالمدينة، والنادي الأدبي الذي أسَّسه بالمدينة المنورة عام 1355هـ = 1936م، وشارَكَهُ في التَّأسِيسِ جَمهرةٌ من أدباءِ المدينةِ المنوَّرةِ وعُلمَائِها، واختارُوا له اسمًا هو: (نادي الحفْلِ الأدبيِّ للشَّبابِ السُّعوديِّ المُتَعلِّم)، واسـتأجروا له مقرًّا في حيِّ المَنَاخَة، غربيِّ المسجد النبوي الشريف، واتَّخذَ النادي نهجًا إداريًّا مُحكَمًا في إدارةِ شؤونِهِ، وتنظيمِ اجتمَاعاتِهِ، والإعدادِ لبرامِجِهِ ونشاطاتِهِ، وشَهِدَ إقامةَ عديدٍ من النَّدواتِ والمحاضَراتِ، لبعضِ أُدباءِ المدينةِ المنوَّرةِ، وعُلمائِها، وكذا الوافِدين إليها من المثقفينَ من البِلادِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، أثناءَ موسِمِ الحج. وكذلك حديثه عن مجالس العلم والأدب، ومجالس السَّمر فيها، وحديثه أيضًا عن طرائق الدراسة في المسجد النبوي الشريف، وقصة إنشاء المنهل، وغيرها من الموضوعات.
وقد ساقَ حديثُهُ عن هذه الموضوعاتِ جميعها، ضمن الحقبة الزمنية التي عاش بها، وتخلَّلَهُ ما عُرفَ به من ذِكرِ أوَّلِياتِه في التأليف، وغيرها من الأوَّلِيات، التي نسبها إلى نفسه، وإلى مجلة المنهل.
وأمَّا ما ذكره السريحي من أنَّ (أنَّ أوَّلَ أثرٍ ظهر؛ لم يظهر)!، فهو أمرٌ نُوافُقُه فيه، وتؤكِّدِّه مضامين الكتاب، مع أنَّ الأنصاري قد ألبَسَ علينا هذا الأمر، بحديثه المتقدِّم: (الاسمُ القديمُ الذي وضعتُهُ للقسمِ القديم: أوَّل أثرٍ ظهر)..الخ. ثُمَّ نشر الجزأين، أو القِسمين معًا، القديمُ منهما والحديث، واختار لهما فيما بعد؛ وهو الاسمَ الذي ظهرَ به الكتاب.
وممَّا يزيد اللَّبْسَ لبْسًا أنَّ الأنصاريَّ ألْمَحَ حينًا، وأفْصَحَ حينًا آخر، بأنَّه يقصد بـ(أوَّلِ أثرٍ ظهر): هذا الكتابُ بموضوعه الأساس: الأدب الحديث، وما إليه من موضوعاتٍ؛ حالَ دون اتصال بعضَ مضامينها ببعضٍ؛ طولُ المدةِ الزمنية، بين جزئيه: الأوَّل، والثاني.
وأمَّا قول السريحي أيضًا: (إنَّ الأنصاري لم يُشر إلى الكتاب، أثناء تكريمه في إثنينية عبدالمقصود خوجة، عام 1403هـ = 1982م)؛ فليس ذلك دقيقًا، لأنَّ الأنصاري أشار إلى هذا الكتاب، إبان ذلك التكريم، ونصَّ على ذلك، بقوله: «وقد اجتمعنا نحوًا من عشرين شخصًا، من هواة الأدب، وقدمتُ لهم استفتاءً يعتبر الأوَّل من نوعه، في تاريخ الأدب بالمملكة، وهو: ماهي الطريقة المثلى التي ترون أنَّها توصلنا إلى معرفة الأدب الحديث والاستمرار فيه، والتأدُّبَ به؟، فأجابوني إجاباتٍ متعددة، ومختلفة الآراء، جمعتُ هذه الإجابات وأضفتُ إليها تراجمهم التي أعرفها، بعد ذلك دارت الأسئلة والاستفسارات على الجميع سنة 1347هـ، وقد جمعتُ تلك الإجابات مع تراجم كاتبيها، في كتابٍ خاصٍّ سمَّيتُهُ: (أوَّل أثرٍ ظهر)، وقد بقي مخطوطًا، حتى الآن»، وفق ما ورد في كتاب الإثنينية، الجزء الأول، 1403هـ، إصدارات إثنينية عبدالمقصود خوجة، جدة، ط1، 1403هـ = 1983م، وهو الكتاب الذي تضمن توثيق حفل تكريم الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري، وما اشتمله من كلمات. (ص 9 - 10).
وكان الأنصاري قد أشار إلى الكتاب نفسه: (أدبنا الحديث كيف نشأ..)، في حوارٍ أجرته معه المنهل، في عدد جمادى الأولى وجمادى الآخرة/1401هـ = مارس وإبريل/1981م، أي قبل عامين من تكريمه في الإثنينية، تحدَّثَ فيه عن مؤلَّفَاته، وأتى على ذِكْرِ ما هو قيدُ الطَّبعِ منها، ومن بينها: (كتاب: كيف نشأَ أدبُنا الحديث ؟).
وأمَّا الموضوعُ نفسه؛ مدار حديثنا في هذا المبحث: الأدب الحديث، ودعوى الأنصاري ريادته إياه، التي أفاضَ القَولَ فيها، في كتابه: (أدبُنا الحَديثُ كيفَ نَشأَ وكيفَ تَطوَّر) الذي أهداهُ إلى: « عُشَّاقِ المعرفةِ والأدبِ ومحبِّي الاطِّلاع، وإلى أولئك الزُّملاءِ الذين شَقُّوا بجهودِهِم وبعرقِهِم الطريقَ الوعرَ - آنفًا - لقَوافلِ الأدبِ الحديثِ في هذه البلاد..، مؤمِّلًّا أن ُيميطَ اللثامَ لهم عن أدبِنا الحَديثِ، في مراحِلِ طُفولتِهِ ويَفاعتِهِ»؛ فهو الأدبُ الذي أولاه فضلَ اهتمامٍ، في حديثه عن دواعي إصداره مجلة المنهل، وإرهاصاته، بقوله: «وقد تذاكرنا وتداولنا البحوثَ في هذا الموضوع، الذي كُنَّا نراه حيويًّا بالنسبةِ للأدبِ الحديثِ، النَّاشئِ على أيدينا».
ويقول في سرده (قِصَّة المنهل): « كنتُ طالبًا، وكانت النَّفسُ نزَّاعةً إلى فنِّ الأدبِ، وكنَّا صدِيقينِ لا نكاد نفترق، السيد عبيد مدني وأنا..، وكنَّا نتذاكرُ مُختلفَ الشُّؤونِ والشُّجونِ، كان ذلك في حوالي سنة 1345هـ، وكان الحديثُ يدورُ حولَ الأدبِ الحديثِ، ولم يكن في المدينةِ المنورةِ كاتبٌ أو شاعرٌ واحدٌ، من الشُّعراءِ الموجودينَ إنْ كانوا موجودين؛ يتعاطى أيَّ لونٍ من ألوانِ الأدبِ الحديثِ، في نَثرِهِ وشِعرِهِ»...يتبع.