د. إبراهيم بن جلال فضلون
رفع البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي إلى ما بين 3.2% (2025) و4.7% (2025 - 2026)، منوهاً إلى الأثر الإيجابي لنمو القطاعات غير النفطية، ومشاريع البنية التحتية العملاقة، وزيادة الاستثمار الأجنبي وجودته، واستمرار الإصلاحات المؤسساتية التي جعلت التنافسية السعودية ترتقي إلى مصاف الاقتصادات الناشئة الرائدة.. كما ركز تقرير الـOECD على نجاح الحوكمة الاقتصادية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ضمن رؤية 2030، إذ ذكرت المنظمة أن «تحقيق الاستدامة الاقتصادية يستلزم ضبطًا ماليًا صارمًا وإصلاحات هيكلية لتحفيز الإنتاجية، والتجربة السعودية أصبحت نموذجًا عمليًا يُحتذى به للاقتصادات الطموحة»، وهو ما أثبتته ميزانية 2026 .. انعكاساً لتوازن بين دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على الاستدامة المالية. إذ قدرت الحكومة الرشيدة الإيرادات العامة لعام 2026 بحوالي 1.147 تريليون ريال، بزيادة 5.2% عن المتوقع لعام 2025. وفي المقابل، تصل المصروفات العامة إلى نحو 1.313 تريليون ريال. ويدل ذلك على عجز مالي يُقدَّر بنحو 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2026.
يُذكر أن ميزانية 2025 قد شهدت عجزاً أوسع، حيث تمّ تعديل التوقعات إلى 5.3% من الناتج، بدلاً من 2.3% المقررة سابقاً. وتعكس هذه الأرقام أن الحكومة تمضي في سياسة مالية توسعية معاكسة للدورة الاقتصادية: أي رفع الإنفاق الاستثماري لدعم النمو حاليًا، مع خطة تقليص العجز تدريجياً في السنوات القادمة. بالإضافة إلى ذلك، تتوقع وزارة المالية تسارع نمو الاقتصاد الوطني. فقد سجلت الأنشطة غير النفطية عام 2024 نمواً تاريخياً بلغ 5.2%، مما يشير إلى تنوّع اقتصادي واضح. ويتوقع أن يصل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 4.6% في 2026، مع مساهمة رئيسية من القطاع الخاص والاستثمارات، وهو ما سيعزز في المدى المتوسط متوسط حركة الإيرادات واستقرار الأوضاع المالية العامة.
تتركز فرص الاستثمار في مشاريع ضخمة وبرامج استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل. ويواصل صندوق الاستثمارات العامة (حاضنة المشاريع الوطنية) زيادة أصوله لتصل إلى نحو 3.5 تريليون ريال حتى يوليو 2025، مستثمراً ذلك في قطاعات المستقبل. على سبيل المثال، أُطلق في 2025 مشروع شركة «هيومين» المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مشاريع ثقافية وسياحية مثل «إكسبو 2030 الرياض»، ومبادرات قطاع التقنيات المالية. وتسهم هذه المشاريع في جذب رؤوس الأموال الأجنبية وإتاحة فرص للشراكات بين القطاعين العام والخاص. ويُظهر ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي (22.2 مليار ريال في الربع الأول 2025، بزيادة 43.7%) جاذبية البيئة الاستثمارية الحديثة للمملكة. كما يستمر دعم ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يوفر آفاقاً جديدة للنمو وخلق وظائف مستدامة.
تواجه الميزانية تحديات تتعلّق بتحقيق التوازن المالي في ظل تقلبات أسعار النفط والالتزامات الإنمائية الضخمة. فارتفاع العجز المتوقع 2025 - 2026 يتطلب تمويلاً إضافياً ودقة في ضبط الإنفاق. وقد أشارت وكالات دولية (مثل فيتش) إلى أن المسار الطموح لإصلاح المالية العامة معرض للمخاطر نتيجة انخفاض إيرادات النفط والزيادة الكبيرة في الإنفاق «لتحقيق أهداف رؤية 2030. وتعكف الحكومة على تنويع مصادر التمويل بخطة سنوية للاقتراض المحلي والدولي مع الحفاظ على استدامة الدين، كما يُتوقع ارتفاع محفظة الدين العام بشكل مدروس بنهاية 2026 مع ضمان استدامتها. وتظل مرونة المالية السعودية (بفضل الاحتياطيات الكبيرة) مصدراً لتعزيز الثقة، كما تسعى السلطات للحفاظ على مستوى إنفاق متوازن يخدم أولويات التنمية دون الإخلال بالاستدامة المالية.
أحد محاور الميزانية الأساسية هو تعزيز تنمية القطاعات غير النفطية لتقليل الاعتماد على النفط. حيث صعدت حصة الإيرادات غير النفطية إلى 40% من إجمالي الإيرادات بحلول 2024، مقارنة 27% عام 2015. وتشمل جهود الدعم خلق بنية تحتية متقدمة، وتطوير السياحة والترفيه، وتحفيز التكنولوجيا والثقافة؛ مما يعزّز مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج ويزيد مساهمتها في التمويل العام. كما تستهدف الميزانية برامج لتحفيز المشاركة الاقتصادية الوطنية، من خلال تدريب القوى العاملة، وتوطين المهن، ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة. جميعها سياسات تهدف إلى رفع إنتاجية القطاعات الواعدة وجعلها محركاً أساسياً للنمو المستقبلي.
تُعدُ الميزانية انعكاساً لاهتمامات ولاة الأمر بالمضي قدماً في الأبعاد البيئية والاجتماعية للتنمية المستدامة. فالتوقعات الإيجابية لنمو الاقتصاد الوطني (حوالي 4.6% في 2026) تأتي نتيجة تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، ما يعزز مسار التنمية المستدامة في مختلف القطاعات. وفي ضوء ذلك، يحافظ التصنيف الائتماني للمملكة على قوة استثنائية؛ فقد أكدت الوكالات العالمية تصنيف السعودية عند مستوى (+A) بنظرة مستقرة، مشيدة بالسياسات المالية الحذرة والإصلاحات الهيكلية المستمرة. وتشير هذه الثقة العالمية إلى قدرة المملكة على مواجهة الصدمات الخارجية والاستفادة من «المساحة المالية» المتاحة نتيجة المركز المالي القوي. في المجمل، تجمع الميزانية بين الطموح الإنمائي وتحليلات واقعية للتحديات، حيث تستمر الحكومة بتوجيه الإنفاق لدعم المشروعات ذات العوائد العالية وضبط الأوضاع المالية لضمان استدامة نمو الاقتصاد السعودي وتعزيز ثقة المستثمرين.
وختاماً: تضع رؤية المملكة 2030 الاقتصاد السعودي في قلب استراتيجيتها الطموحة، عبر محاور رئيسية: «مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، ووطن طموح». وتستهدف توفير بيئة جاذبة، وظائف نوعية، تمكين المواهب الشابة، استقطاب الاستثمارات، وتفعيل دور القطاع الخاص. بل إن المؤشرات التنفيذية تدلل على النجاح، منها ارتفاع مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي إلى مستويات تتخطى 52% في 2024، ونمو تدفقات الاستثمار غير الحكومي بأكثر من 50% منذ 2016، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أكثر من 119 مليار ريال في 2024، وتضاعف تراخيص الشركات الأجنبية عشرة أضعاف بالمقارنة مع عام 2016.