د. منى بنت علي الحمود
في تمام الساعة الحادية عشرة مساء، من اليوم الحادي عشر من شهر أكتوبر، انتهت مسرحية معرض الكتاب الدولي لهذا العام 2025م .. مغلقة الأبواب على كثير من الذكريات واللحظات الجميلة.. سردية من ذلك الصخب المختبئ خلف جدران المكان ليتأمل بعمق ما معنى أن تعرض شيئا ينتمي إليك بعمق وتنتمي إليه، ما الذي يرسم حدود ذلك المشهد الذي تجد نفسك بداخله وأنت محدق به من الخارج، كيف لتصنيف الأشياء أو توليفها أن يكون ضابطا لذلك الإيقاع المتعدد.
إنها لحظات من التأملات الشاردة في ذلك الفضاء الفسيح، لم تكن مجرد رفوف مفعمة بالكتب، ولا حوائط مزينة باللافتات الإرشادية، لم تكن شاشات تفاعلية، ولا صيغة رتيبة لعرض مقتنيات ورقية.
كان المكان جزءاً من تجربة إنسانية متكاملة، وكان حتى للعشوائية طابعا مرموقا. يفسر الكتاب والمؤلفون أعمالهم للزوار ويعيدون ترتيب سياقاتها ما بين فينة وأخرى، وكأنما يتعاهدونها مجددين الالتقاء معها. يتزاورون ما بين ركن وآخر وما بين دار وأخرى، وكأنها لقاءات الأعياد، تبادل للزيارات والإهداءات، وصرير لأقلام لازالت رطبة بالعطاء حتى حين توقيعها، ضيافة من نوع آخر، ضيافة فكرية ثقافية.
كان المعرض محفلا ثقافيا مهيبا عدداً وعتادا، غير أن ألفة تجمعنا به لنعاود تكرار الزيارة يوما بعد يوم، ثقافات متعددة وألسنة متنوعة وأقلام مفكرة تم تجنيدها لمثل هذه اللحظة، معتزلات وخلوات للكتابة، مبادرات وجوائز، دعم للكتاب والمؤلفين، كل هذه وأكثر جعلت من المشهد الثقافي أسلوباً للحياة، لم يكن الزوار غرباء، بل مشاركون في صناعة ذلك المعنى للمعرض؛ فلم يكن هناك شعور باغتراب ولا وحشة داخل أروقة أكبر الفعاليات الثقافية الاقليمية (معرض الرياض الدولي للكتاب).
لقد كان الفضاء الفكري بمجمله يحمل دلالات وتأملات عميقة نحو صورة ذهنية باذخة لدولة أصبحت محط أنظار العالم، وتبوأت مكانها ومكانتها الحقيقية كمركز ثقافي عالمي يشار له بالبنان.
** **
- مؤسسة ومديرة أكاديمية فنسفة الثقافية