فضل بن سعد البوعينين
كنت على يقين، من أن جهود تحقيق توازن القطاع العقاري التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لن تتوقف حتى تؤتي ثمارها، وتحقق مستهدفاتها الرئيسة المتمثلة في خفض قيمة العقار.
كان من المفترض أن يلفت قرار رسوم الأراضي البيضاء في مرحلته الأولى، أنظار العقاريين لمراجعة وضع السوق والعمل على معالجة تشوهاتها، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث.
واصل العقاريون مضارباتهم ورفعوا أسعار الأراضي خاصة في مدينة الرياض، بطريقة لا علاقة لها بأساسيات السوق، واستغلوا الإصلاحات والأخبار الإيجابية، لتغذية التضخم ورفع أسعار العقارات والإيجارات حتى بلغت مستويات قياسية. لن أتحدث عن الجشع، بل عن الانفلات والفوضى في السوق العقارية، وصمت وزارة البلديات والإسكان عن التعاملات غير المسؤولة، في أحد أهم القطاعات الاقتصادية، ومستودع الثروات، وقاعدة الأمن المجتمعي.
مصيدة القروض من الأدوات التي استخدمها العقاريون للتحذير من التدخل الحكومي لضبط السوق، حيث روجوا حتمية تأثر القطاع المالي بانخفاض قيمة الأصول المرهونة.
أعتقد أن مصيدة القروض، ربما كانت عكسية هذه المرة، حيث سيعاني منها متمولو القطاع العقاري من العقاريين الجدد، الذين استثمروا أموال القطاع المالي في المضاربة على الأراضي البيضاء، لتحقيق الأرباح السريعة.
من المتوقع أيضاً، تضخم مصيدة القروض المرتبطة بكبار العقاريين والمضاربين، بسبب رسوم الأراضي البيضاء في الرياض، التي وصلت إلى 10 %. حيث سيواجه ملاك العقارات تحدي توفير السيولة لدفع الرسوم المستحقة عليهم، إضافة إلى تحدي السوق التي ستنخفض فيها شهية العقاريين بالشراء، خشية الرسوم، وانعكاساتها الحتمية على الأسعار.
مصيدة الرسوم ستقود إلى خفض متسارع في أسعار العقار، وإذا ما تدخلت البنوك لتسييل بعض الرهونات العقارية التي تحتفظ بها، فسيتسبب ذلك في تداعيات متلاحقة تعيد السوق إلى مرحلة ما قبل التضخم، وستضغط على أسعار العقارات لتصل إلى مستويات متوافقة مع متوسط الدخل، وهذا ما تستهدفه الحكومة الرشيدة.
التحذير من انخفاض قيمة الأصول المرهونة، أمر متوقع في جميع الحالات، غير أن المصارف تمتلك أدوات الحماية والتحوط، ومنها بناء مخصصات القروض لمواجهة مخاطر التعثر. إضافة إلى ذلك فإن قروض الأفراد السكنية مرتبطة برهن راتب المقترض، أما العقار فهو رهن إضافي، ما يحد نسبياً من تأثر المصارف مستقبلاً.
ومن أغرب ما تم تداوله إعلامياً، على خلفية أنظمة التوازن العقاري، أن اجتماعاً عقد بين وزارة البلديات والإسكان وبين مطورين وعقاريين، لبحث سبل معالجة تشوهات السوق، وهو أمر لا يستقيم، فمن تسببوا في تضخم السوق، لتحقيق مزيد من المكاسب، يفترض ألا يكونوا جزءاً من الحل، ومن المستبعد أن يقدموا المصلحة العامة، على مصالحهم الخاصة، إلا من رحم ربي.
أحد المطورين الذي ربما حضر الاجتماع، تساءل عن سعر المتر الذي تستهدفه الحكومة، وهو سؤال يخفي بطياته الكثير من المعاني المؤلمة، ويؤكد على أن السوق العقارية كانت خاضعة لصناعة الأسعار، وتضخيمها المتعمد، لا تجاوبها العادل مع متغيرات السوق، وأساسياتها. بعض العقاريين والمطورين حذر من ارتفاع فاتورة التطوير المطلوبة، وعدم قدرة الحكومة على تحملها، إضافة إلى أن التوسع في التطوير العقاري يعني زيادة في حجم الطلب على مواد البناء التي تستورد من الخارج، وهذا سيتسبب في ارتفاع فاتورة الاستيراد، وهي كلمة حق أريد بها أمر آخر. فلو سلمنا جدلاً بذلك، لوجدنا أن غالبية ما يستهلك في المملكة، إنما هو مستورد من الخارج، وقطاع التطوير العقاري لن يكون استثناء من القطاعات الأخرى. أما الحقيقة فإن إنتاج المملكة من الحديد والإسمنت ومواد البناء يمكن أن يلبي الطلب المحلي بيسر وسهولة، وإن احتاجت للاستيراد فلن يكون ذلك مؤثراً في الميزان التجاري، ولا ميزان المدفوعات. ومع وجود آليات البناء الحديثة، يمكن للشركات الصينية أن تنشئ مدناً سكانية في فترة زمنية قصيرة وجودة عالية، مع توفير التمويل اللازم من البنوك الصينية المتخمة بالسيولة، والباحثة عن فرص استثمارية خارجية.
جاء في الأثر «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، لذا فكل محاولة لتقريب وجهات النظر، واستعطاف المتسببين في تضخم السوق العقارية، أو جعلهم جزءاً من الحل، هي محاولات بائسة، لن تقود إلا إلى مزيد من التعقيد، والتسويف، ومحاولة المحافظة على مكاسبهم، لا الخروج بأقل الخسائر، التي ستكون جزءاً من الأرباح، لا رأس المال. لذا فمن المهم أن تستقل وزارة البلديات والإسكان برؤيتها حيال القطاع العقاري، بعدالة وتجرد، محققة للمصلحة الوطنية، ومستعينة بالله، ثم بالتوجيهات الكريمة لسمو ولي العهد الرامية إلى تحقيق أمن الأسرة والمجتمع، وبالتالي، الأمن الوطني، من خلال تأمين المسكن بأسعار متوافقة مع الدخل، وتحقيق متطلبات «جودة الحياة» عملياً لا إعلامياً.