صالح الشادي
الحديث عن حروب الشرق الأوسط والسلام هو حديث عن نسيج معقد من الصراعات المتشابكة، تتفاعل فيه عوامل داخلية وخارجية يصعب معه فصل السبب عن النتيجة.
والسؤال هنا: هل يمكن تحقيق السلام الحقيقي في ظل تعقيدات الحاضر؟.
تبدأ القصة من القلب النابض للصراع: القضية الفلسطينية ونكبة 1948، التي مثلت شرخاً وجودياً في الجسد العربي، وغذت حالة من الاحتقان السياسي والرفض التي أصبحت الإطار العام للسياسات الإقليمية، ثم جاءت التحولات الكبرى لتعمق هذا الشرخ، فكانت الحرب العراقية - الإيرانية نقطة تحول محورية نحو تسييس الانقسام المذهبي، ليأتي بعدها الغزو العراقي للكويت ليفتح الباب على مصراعيه للهيمنة الخارجية المباشرة، وليؤكد انهيار التضامن العربي الرسمي.
ومع غزو العراق عام 2003، انفجرت الامور بشكل كامل؛ اذ لم يكن سقوط بغداد مجرد إطاحة بنظام، بل كان تفكيكاً لدولة مركزية أطلق العنان لأعنف أشكال صراع الهوية الطائفي والعرقي.
ومن رحم هذه الفوضى، ولدت الجماعات المسلحة المتطرفة وبلغت ذروتها مع «داعش»، بينما تحولت اليمن وسوريا إلى ساحات لصراعات بالوكالة، تاركةً وراءها دماراً هائلاً وخسائر إنسانية لا تحصى.
وسط هذه العواصف، برزت المملكة العربية السعودية كجهة فاعلة و مركزية في محاولات احتواء الأزمات؛ فمنذ عهد المؤسس وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير محمد بن سلمان، سعت الرياض إلى توازن دبلوماسي صعب تجسد في مبادرة السلام العربية عام 2002، التي قدمت رؤية عربية موحدة للسلام، وفي السياسات الحالية التي تجمع بين المواجهة الصلبة لنفوذ بعض الدول التوسعي، والدبلوماسية النشطة لبناء تحالفات إقليمية ودولية، والرؤية الاقتصادية الطموحة لتحصين الداخل.
أما بالنسبة للأطراف الخارجية، فإن لبعض الدول مصالح متقاطعة في إطالة أمد الصراع. فهناك دولة تسعى لبناء هلال نفوذ عبر تصدير أفكارها الحالمة ودعم الميليشيات، مما يضعف الدولة الوطنية ويعزز من حالة التمزق.
ودولة كإسرائيل التي تحاول أن تستفيد من انشغال العرب بحروبهم الداخلية، مما يبعد عنها خطر الحرب الموحدة ويُهمش القضية الفلسطينية.. وفي الخلفية، تقف شركات السلاح العالمية كرابح رئيسي من نزيف المنطقة.
تشير الأرقام إلى أن المنطقة أنفقت تريليونات الدولارات على التسلح والحروب، في وقت تنهار فيه بنيتها التحتية وتتردى أوضاعها الإنسانية. وهنا يطرح سؤال السلام نفسه بقوة: هل يمكن لمبادرات أو لنقل لادعاءات مثل إعلان الرئيس ترامب «القضاء على حروب الشرق الأوسط» أن تتحقق؟
الجواب يكمن في إدراك كل الأطراف المعنية أن السلام ليس مجرد توقف عن القتال. السلام الحقيقي يتطلب معالجة جذرية للأسباب، من خلال حل عادل للقضية الفلسطينية، ووقف التدخلات المفضية للتفتيت، وبناء دول عادلة تستوعب جميع مواطنيها.
إن عودة السلام إلى العالم العربي ليست مستحيلة، لكنها رحلة شاقة تحتاج إلى إرادة داخلية صادقة، وتضامن عربي فاعل، ووقف لاستخدام المنطقة كساحة لتصفية الحسابات. ففي ببناء ثقافة السلام فقط القائمة على العدالة والكرامة يمكن أن نلمس بصيص أمل في أفق يعمه الهدوء بعد عواصف دامت عقوداً.