أحمد بن محمد الغامدي
رحم الله أستاذنا الكبير والإعلامي المدرسة علي محمد الرابغي (أبو مروان)، ذلك الاسم الذي اقترن بتاريخ الإعلام السعودي وبذاكرة جدة التي أحبها وعاش من أجلها، وخلّدها في مقالاته وأحاديثه وابتسامته الحاضرة دوماً، فقدت جدة برحيله أحد أبنائها البررة الذين جمعوا بين الفكر، والخلق، والوفاء، وأحد أعمدة الصحافة الذين ساهموا في صياغة الوعي الإعلامي الوطني لعقود طويلة.
ولعل من الوفاء الذي يستحقه هذا الرجل أن يحمل أحد شوارع جدة اسمه، تخليداً لمسيرته الحافلة بالعطاء، وتكريماً لرمزٍ أعطى للوطن بصدق، وللمجتمع بمحبة، وللمهنة بإخلاص لا يُجارى.
إن إطلاق اسم «شارع علي الرابغي» لن يكون مجرد لافتة على طريق، بل سيكون رسالة وفاء من مدينةٍ احتضنها واحتضنته، عرفته مخلصاً لها في كل حرف كتبه، وصوتٍ إذاعيٍّ قدّم من خلالها الكلمة المسؤولة والطرح الهادف.
عاش الرابغي مسيرة حافلة منذ ولادته عام 1939م في مدينة رابغ، حيث نشأ في بيئةٍ متواضعةٍ حفّزت لديه حبّ العلم والثقافة منذ الصغر، بدأ حياته العملية في سلك التعليم، قبل أن ينتقل إلى ميادين الصحافة والإذاعة والتلفزيون، ليصبح واحداً من أبرز الأسماء التي أسهمت في تأسيس الصحافة الرياضية في المملكة، وفي تطوير المشهد الإعلامي المحلي.
تقلّد مناصب رفيعة في كبريات الصحف السعودية، منها إشرافه على الصفحات الرياضية في جريدة البلاد، ورئاسته للقسم الرياضي في صحيفة عكاظ، وإشرافه على القسم الرياضي في الشرق الأوسط، وظل كاتباً عمودياً ثابت الحضور في «عكاظ» حتى سنواته الأخيرة، وتميز قلمه بالاتزان والموضوعية، وبقدرته على تناول الشأن الرياضي والاجتماعي والثقافي بوعي المثقف وصدق الإنسان.
وفي الإذاعة والتلفزيون، كان صوتاً مميزاً وقدّم برامج أسهمت في رفع مستوى الوعي الاجتماعي، بأسلوبه الهادئ وحضوره المتزن، حيث امتدت مسيرته لأكثر من ستة عقودٍ، شهدت خلالها المملكة تحولات فكرية وثقافية وإعلامية كان للرابغي فيها بصمته الواضحة.
كان الأستاذ علي الرابغي -كما وصفه الأستاذ خالد المالك- صاحب خُلُق وتواضع وتواصل لا ينقطع، عرفه الجميع ببشاشته، وإنصاته، وحرصه على تقدير الزملاء والجيل الجديد من الإعلاميين، ورغم مرضه في سنواته الأخيرة، بقي متفائلاً مبتسماً، محاطاً بأسرته وأحفاده الذين نهلوا من قيمه وطيب معدنه.
توطدت علاقتي بالأستاذ علي الرابغي خلال سنوات عملي مديرًا للعلاقات العامة والإعلام في أمانة جدة، كان أحد الأقلام التي نثق بمهنيتها وموضوعيتها، نتبادل معه الرأي والنقاش بكل ودّ واحترام، لم يكن مجرد كاتب صحفي يطرق الأبواب بحثًا عن سبقٍ أو خبر، بل كان مفكرًا نبيلاً يكتب بقلبه قبل قلمه، ويبحث في قضايا الناس بروح المسؤول لا بروح المزايدة.
أتذكر عندما كان يذكر اسمي في مقالاته بكل لطف، يُثني على ما يراه من جهد، أحرجني عدة مرات بكرمه اللفظي ونبله الدائم، كنت أقول له ممازحًا: «أبا مروان، خفّف من الإطراء»، فيضحك ويقول: «من يستحق الذكر، لا يُنقصه التواضع شيئًا»، تلك الجملة بقيت عالقة في ذهني، مثل بصمته التي لا تُمحى.
جدة التي عاش فيها الرابغي وكتب عنها، تستحق أن تكرّم أبناءها الذين خدموها بإخلاص. ولهذا، فإن إطلاق اسمه على أحد شوارعها ليس فقط واجب تقديرٍ، بل هو امتداد لثقافة الوفاء التي تليق بهذه المدينة وتاريخها.