عبدالمطلوب مبارك البدراني
تعتزم رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي إقامة «ملتقى مآثر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن صالح وجهوده في المسجد النبوي»، وذلك يومي الأربعاء والخميس 23 و24 ربيع الآخر 1447هـ، الموافق 15 و16 أكتوبر 2025م. يأتي هذا الملتقى الكبير برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز، أمير منطقة المدينة المنورة، وتحت إشراف معالي الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، رئيس الشؤون الدينية في الحرمين الشريفين. تقديراً لمسيرة عالم جليل أمضى أكثر من أربعة عقود إماماً وخطيباً ومرشداً في المسجد النبوي الشريف، ليصبح صوته علامة فارقة في تاريخ الحرم النبوي.
نبذة عن الشيخ عبدالعزيز بن صالح (1329هـ - 1415هـ)
الشيخ عبدالعزيز بن صالح بن ناصر آل صالح هو أحد أبرز أئمة وعلماء المملكة العربية السعودية في القرن الماضي. وُلد في مدينة المجمعة عام 1329هـ، ونشأ يتيماً فكفله أخوه، وتغلب على ضعف بصره ليصبح من كبار العلماء بفضل ذاكرته القوية وملازمته للشيوخ. ارتبط اسمه بالمدينة المنورة حيث تولى منصب إمام وخطيب المسجد النبوي لمدة فاقت الأربعين عاماً، ورئاسة محاكم منطقة المدينة المنورة. كما كان عضواً في هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى. تميز قضاؤه بالعدل والحكمة، وإمامته بالخشوع والتأثير، ودروسه بالعلم والمنهج الوسطي. رحل الشيخ عام 1415هـ، تاركاً إرثاً علمياً وإصلاحياً خالداً، وصدى صوته ما زال يتردد في نفوس محبي المدينة المنورة.
يهدف هذا الملتقى إلى تسليط الضوء على هذه المسيرة المباركة، وإبراز الجهود التاريخية والإسهامات العلمية والإدارية للشيخ في خدمة المسجد النبوي والقضاء، واستلهام قيمه ومنهجه لربط الأجيال بسير الأعلام.
للشيخ عبدالعزيز بن صالح -رحمه الله- سيرة عطرة وعطاء ممتد في مدينة الرسول.
يُعدّ الشيخ عبدالعزيز بن صالح بن ناصر آل صالح (1329هـ - 1415هـ) أحد أبرز الأعلام والعلماء الذين ارتبط اسمهم بالمدينة المنورة والمسجد النبوي الشريف، حيث أمضى أكثر من أربعين عاماً إماماً وخطيباً في حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كانت حياته نموذجاً للعطاء الممتد في مجالات القضاء والفتيا والتعليم والدعوة، تاركاً خلفه مآثر خالدة وسيرة عطرة تضيء للأجيال.
الإمامة في المسجد النبوي.. صوتٌ يتردد في الوجدان
كانت إمامة وخطابة الشيخ عبدالعزيز بن صالح في المسجد النبوي هي أبرز مآثره التي علقت في أذهان وقلوب المسلمين. تميز صوته بالخشوع والتأثير العميق، ووقوفه في محراب المسجد النبوي كان يمثل امتداداً لسلسلة الأئمة الأجلاء الذين تعاقبوا على هذا المكان الطاهر. كانت تلاواته آية في التجويد والترتيل، مما جعل المصلين يتفاعلون مع صلاته وخطبه، ويجدون فيها سكينة وروحانية خاصة، خصوصاً في صلوات التراويح والقيام.
وكان في القضاء والإصلاح سيف العدل وبلسم الحكمة، إلى جانب دوره في الإمامة، كان للشيخ عبدالعزيز بن صالح إسهامات عظيمة في مرفق القضاء، حيث شغل منصب رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة، وكان عضواً في مجلس القضاء الأعلى. اتسم قضاؤه بالقوة والحزم مقرونين بالفراسة والعدل، وقد سخر خبرته الطويلة التي امتدت لأكثر من سبعين عاماً في شؤون القضاء والإصلاح. ومن أبرز جهوده في هذا المجال:
- النهوض بمرفق القضاء: سعى إلى بناء مجمع للمحاكم لتجميع الدوائر الشرعية في مبنى واحد تيسيراً على الناس.
- إصلاح ذات البين: كان له اهتمام عميق بقضايا تماسك الأسرة المسلمة، فكان يخصص وقتاً ومكاناً لإصلاح الخلافات الأسرية والشفاعة بين الناس، وكان له برامج إعلامية سبقت عصره في البعد التربوي والأسري.
نهجه في الاستقلال القضائي: عمل على الحفاظ على استقلال القضاء وشموخه.
العلم والتعليم.. منارة في مدينة العلم
لم يقتصر عطاء الشيخ على المحراب ومنصة القضاء، بل كان له دور بارز كـمدرّس في المسجد النبوي الشريف وعضو في هيئة كبار العلماء. رغم ضعف بصره الذي أصابه صغيراً، إلا أنه كان عبقرياً في طلب العلم واستيعابه، حيث حفظ القرآن قبل سن العاشرة، ولازم كبار العلماء. وكان يلقي الدروس العلمية في المسجد النبوي مستخدماً ذاكرته القوية، وخدم بذلك طلبة العلم ورواد المسجد النبوي، ونشر العلم الشرعي على منهج الوسطية.
انتقل الشيخ عبدالعزيز بن صالح إلى جوار ربه في عام 1415 هـ، وكانت جنازته مشهودة ومهيبة، شهدت ازدحاماً عظيماً من جموع المواطنين الذين شيّعوه ودفنوه في البقيع، دلالة على المحبة والتقدير الذي حظي به في قلوب الناس.
ولا تزال مآثره وجهوده محل تقدير واحتفاء، حيث تعقد الملتقيات العلمية لإبراز سيرته وإرثه في خدمة المسجد النبوي، بهدف ربط الأجيال الجديدة بقيم ومبادئ هذا الإمام والفقيه والقاضي القدير، لتظل سيرته مشكاة تضيء دروب الأجيال.
رحم الله الشيخ عبدالعزيز بن صالح وأسكنه فسيح جناته، فقد كان حقاً «رمزاً وعلماً وشخصية فذة» خدمت الدين والوطن والحرمين الشريفين بكل إخلاص وتفانٍ.