د.شريف بن محمد الأتربي
بدأت رحلة كوكب الأرض وعلاقته بالإنسان مع هبوط آدم عليه السلام وحواء من الجنة إلى الأرض بأمر إلهي، وما إن هبطا إليها واستوطناها إلا وبدأ فصل آخر من تاريخ هذا الكوكب، حيث كان التحدي هو كيفية العيش والتواؤم مع متطلبات الحياة الجديدة خاصة من المأكل والمشرب والملبس، مع العلم أن الله سبحانه وتعالى قد عَلَّم آدم أسماء الأشياء قبل هبوطه للأرض.
بعد مرور آلاف السنوات بدأ العلماء في تحديد الاحتياجات الأساسية للإنسان حتى يمكنه التعايش على سطح كوكب الأرض، وقد افترضها هؤلاء العلماء افتراضاً في عدة احتياجات تشمل: الاحتياجات الفسيولوجية للبقاء مثل الطعام والماء والهواء والنوم والمأوى والملبس، وهي في قاعدة هرم «ماسلو» للاحتياجات الإنسانية والتي بدونها لا يمكن للإنسان الانتقال لتلبية الاحتياجات الأعلى مثل: الأمان، والانتماء، والتقدير، وتحقيق الذات. وكما يحتاج الكبار إلى تلبية احتياجاتهم الأساسية؛ يحتاج الطلبة أيضاً إلى تحقيق هذه الاحتياجات حتى يستطيعوا التعاطي مع المقررات والمواد التعليمية، وتحقيق أهداف الدولة من التعليم، وبدون هذه الاحتياجات مثل: المبنى المدرسي، والبيئة الصفية، واختيار معلمين قادرين على خرط الطلبة في العملية التعليمية، وإكسابهم المعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة متطلبات سوق العمل ومجابهة التحديات المستقبلية؛ لن يكون هؤلاء الطلبة قد حصلوا على احتياجاتهم الإنسانية التعليمية الأولية في أبسط صورها.
إن توفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية للطلبة يعد خطوة فاصلة نحو تحسين العملية التعليمية وزيادة انخراط الطلبة فيها بأقل العوائق الممكنة، ورغم ذلك نجد أن تحقيق النجاح الأكاديمي يتطلب أكثر من مجرد تلبية هذه الاحتياجات الأساسية، فهناك احتياجات أخرى يحتاج لها الطلبة إلى جانب الاحتياجات الأساسية منها تعزيز الدافعية لتحقيق النجاحات المرجوة.
أشارت الكثير من الأبحاث إلى أن تعزيز الدافعية يعد أحد أهم أسباب النجاح، وليس النجاح فقط، ولكن النجاح بتفوق، وقد اتفق التربويون على أن هناك نوعين من التعزيز؛ التعزيز السلبي، والتعزيز الإيجابي، ولكل منهما إيجابياته، وسلبياته، ولكن يظل التعزيز الإيجابي أحد أبرز أساليب تعزيز الدافعية.
تعد المكافآت واحدة من أهم أساليب التعزيز، وسواء كانت مادية أو معنوية، فهي تساهم في تعزيز السلوك الإيجابي، ففي الإمارات العربية المتحدة مثلاً، تم تطبيق نظام «المكافآت المدرسية» الذي يشجع الطلاب على تحقيق إنجازات أكاديمية معينة، وهو ما أدى إلى رفع مستويات التحصيل الدراسي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يتبنى العديد من المعلمين أساليب تعزيز إيجابي مثل تقديم الشهادات أو الجوائز للطلاب الذين يظهرون تفوقًا أو سلوكًا إيجابيًا، مما يعزِّز من شعورهم بالإنجاز ويزيد من دافعيتهم.
يعد التحدي واحداً من أهم أساليب دعم الاحتياج النفسي لدى الطلبة وتعزيز الدافعية، فمن خلاله يظهر الطلبة قدراتهم وخبراتهم ومهاراتهم الكامنة، وينطلقون في فضاء التطبيق بدلاً من مهارة الحفظ. في فنلندا، يتم تصميم المناهج الدراسية بحيث تتناسب مع مستويات مهارات الطلاب، مما يعزِّز من تفكيرهم النقدي وحل المشكلات، وتعتمد المدارس هناك على التعلّم القائم على المشاريع، مما يزيد من شعور الطلاب بالإنجاز والقدرة على التفاعل الفعَّال. وفي الأردن أطلقت وزارة التربية والتعليم برنامج «مدارس التميّز» الذي يهدف إلى تقديم فرص تعليمية متساوية للطلاب من خلفيات مختلفة، مع التركيز على التحديات المناسبة لكل طالب.
المساواة: «ينصُّ مفهوم المساواة على تمتُّع الأفراد جميعهم بالحُقوق والحُريِّات العامَّة على قَدَم المساواة دون أيّ تفرقة بينهم بسبب العِرق، أو الجنس، أو الدِّين، أو العقيدة، أو اللُّغة، أو غيرها، وهو يتضمَّن حقّ كلّ فرد في القَدر نفسه من الحُريِّة اللازمة لتنظيم حياته الشخصية، واتِّخاذ القرارات التي تُناسبه.» تعزِّز المساواة في فرص التعليم، وتعد من العوامل الأساسية في رفع الدافعية، ومن النماذج الناجحة ما تم تنفيذه في المملكة المغربية، حيث تم تطبيق نموذج «مجالس الطلاب» في العديد من المدارس بحيث يتمكَّن الطلاب من التعبير عن آرائهم والمشاركة في صنع القرار. هذا النوع من المشاركة يعزِّز من التزام الطلبة ويزيد من دافعيتهم للتعلّم.
يلعب الدعم النفسي والاجتماعي دوراً حيوياً في تعزيز دافعية الطلبة، في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تقدّم العديد من المدارس خدمات استشارية ونفسية للطلبة، مما مكّنهم من التعرّف على المهارات الاجتماعية وتعزيز تجربتهم التعليمية. تعتبر هذه الخدمات جزءًا أساسيًا من بيئة التعلّم، حيث تساعد الطلاب على بناء علاقات إيجابية مع زملائهم. أما في كوريا الجنوبية، فتم إدماج التكنولوجيا بشكل فعَّال في التعليم من خلال استخدام تطبيقات التعلّم التفاعلي والألعاب التعليمية، مما عزَّز من دافعية الطلاب وساهم في تحسين أدائهم الأكاديمي.
إن تعزيز دافعية الطلبة للتعليم يتطلب جهودًا متعددة الأبعاد تتجاوز مجرد تلبية الاحتياجات الإنسانية، فمن خلال التعزيز الإيجابي، وتقديم التحديات المناسبة، وتعزيز المساواة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، واستخدام التكنولوجيا، يمكننا إنشاء بيئة تعليمية تشجع على التعلّم وتدعم تطوير مهارات الطلبة. إن الاستثمار في هذه الجوانب يعد استثمارًا في المستقبل، مما يعكس التجارب الناجحة من دول عربية، وإقليمية، وغربية وأمريكية.