منال الحصيني
غالباً ما يتبادر للذهن البشري: هل الوعي شيء عظيم نملكه أم شيء خطير نحمله؟
بطبيعة الحال كثيراً مانقف نحن البشر أمام ذواتنا لنفكر فيها ومنها وإليها بتساؤلٍ مرهق «ما هو الوعي»، وهل هو بمثابة قدرة استثنائية ميزنا الله بها عن سائر المخلوقات لندرك وجودنا ونتساءل عن معناه أم أنه عبء يجر القلق والخوف والكثير من التوتر حيال المجهول.
هذا التساؤل فيه مسافة بينية بين النعمة وعبء الإدراك، فلو شبهنا الوعي «بومضة فكرية» تجعل الإنسان قادراً على أن يراقب أفكاره ويتأمل نفسه حينما يشعر بالألم أو الفرح ويتذوق جمال اللحظة وحينما يخاف رهبة الفقد أكثر من الفقد نفسه وشعوره بالحنين لما مضى والقلق من المجهول.
فلولا الوعي لأصبحت حياتنا سهلة للغاية أشبه بالأشجار كونها تعيش بفطرتها التي فطرها الله عليها دون أسئلة عن الأمس أو المستقبل وبلا عبء إدراك أو حتى شعور فهي لم تزل كما هي لم تتغير.
وعن كون الإنسان قادرا على التدرج في مراحل الوعي فهو بذلك يستطيع تحويل تجاربه التي مر بها إلى «معنى» وخسائره التي مر بها أياً كانت إلى «حكمة» وخوفه من المجهول إلى «إدراك»، فهو إن أحسنّا التدرج في مراحله، وأقصد بذلك «الوعي» فهمنا كيف للعظماء ممن سبقونا ومن هم فينا في الآن واللحظة الحالية من الزمن وممن سيأتون طوعوا هذه الهبة لصنع حضارات، فالوعي ليس فكرة نستطيع حصرها في شيء ما لكنها تجربة معقدة تشعل فتيلة الفكر في العقل ليرى ما وراء اللحظة الحالية متجاوزاً ما وراءها.
من مفارقات الوعي أنه يشعرنا بالتفكير في وجودنا ويجعلنا نعرف أننا زائلون لامحالة، ومع ذلك نستمر في البحث عن المعنى، لعلها تكون الهبة الأكثر تعقيدا من جملة الهبات الإنسانية التي تميزه عن غيره من المخلوقات، فجعلته يبتكر ويكتب ويصنع ويحب ويخاف أيضاً، ومع كل تلك الإنجازات مايزال السؤال المحيّر بعد ذلك «من أنا» وربما «لماذا أنا هنا» ويبقى السؤال الأكثر نضجاً «ما الفائدة من وراء هذا السعي»؟
لنتفق أن السعي مجرد فعل خارجي عن طريق طرح الأسئلة في عقولنا لنفهم أنه أشبه برحلة داخلية منّا لمحاولة فهم أنفسنا وليكن الغرض منها هو التوافق بين ما نريده وما تفرضه علينا الحياة في واقع ربما لا يمكننا تغييره، وهذا التساؤل لا يمكن أن يحدث في حال لم نكن في «طور الوعي»
فحينما نفهم ذلك جيداً يكون السعي أداة لفهم المعنى لا مجرد تراكم تجارب وإنجازات والكثير من الخبرات.
فالفائدة من وراء سعينا الذي هو جزء من رحلة الوعي ليس دائماً بالضرورة أن يكون الغرض منه الوصول للغاية المحددة التي نرجوها.. لا بل هو أعمق فربما كانت الفائدة وهذا هو الغالب في ما تمنحه لنا تلك الرحلة ذاتها من وعي وارتقاء داخلي.
فلولا الوعي لما شعرنا بكل خطوة نخطوها ولما فهمنا كل تجربة وإن كانت صغيره أو عابرة تكاد تكون تافهة فهي بلاشك كانت جزءا من بناء فهمنا لذاتنا وللحياة أيضاً، وهنا يكون السعي وسيلة للعيش بعمق فهو يتخطى أبعد من كوننا نحقق أهدافنا في الحياة ليوضحه لنا بوعي أكثر بأن كل شعور نشعره بالخوف أو الحزن وربما الخسارة أصبح درساً حول وعينا الإنساني إلى معنى وتجربة محورية في حياتنا.
فإلى من يجادلون في الوعي بين كونه نعمة أم عبء
سأطرح سؤالًا:
هل الوعي نعمة؟
برأيي نعم، كونه يفتح أبوابا للفهم بجمال المعنى من وراء التجارب، وسأدحض السؤال: هل الوعي عبء؟ أيضاً أرى أنه نعم، فكوننا نرى الحقائق بكل وجوهها حتى وإن كانت تؤلمنا.
لذلك الوعي يجعلنا نعيش بشعور حسي أعلى لنتألم بعمق، لنصبح أكثر إنسانية، وهنا تتضح الفروقات البينية فمن يعش بلا وعي فهو يمر بالأيام ومن يعيش بوعي فهو لا محالة يعيش تلك الأيام ليستفيد منها ويصنع ذاته.