رسيني الرسيني
لا تُقاس مدن العالم بجمال عمرانها فقط، بل بقدرتها على صناعة اقتصاد ينبض بالحياة. فالمدن العصرية اليوم تُعيد تعريف نفسها من خلال فعاليات كبرى تُشكل هويتها الاقتصادية والثقافية.
وفي هذا السياق، تبرز مدينة الرياض كنموذج عملي يستثمر في الترفيه كرافعة اقتصادية جديدة من خلال موسم الرياض الذي لم يعد مجرد تظاهرة فنية أو ثقافية، بل مشروع اقتصادي متكامل، يُعيد رسم خريطة التنوع الاقتصادي ويُعزز من حضور العاصمة على خارطة السياحة العالمية. باختصار، إنه التجلي الأوضح لتحول المدن من مراكز سكن إلى مراكز جذب استثماري وتجاري.
تشير الأرقام إلى نجاح باهر لموسم الرياض؛ إذ قُدرت القيمة السوقية لشعار الموسم بحوالي 12 مليار ريال سعودي، بينما وفّر الموسم السابق نحو 25 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة، وتجاوز عدد الزوار 20 مليوناً العام الماضي، والهدف هذا العام هو كسر هذا الرقم القياسي. كما يشارك في الموسم الجاري أكثر من 2100 شركة، مما تعكس هذه الأرقام النمو المتسارع في حجم الأعمال المرتبطة بالموسم، بالإضافة إلى الإقبال الجماهيري الهائل، وهي مؤشرات إيجابية تدل على أن موسم الرياض لم يعد حدثًا مؤقتًا، بل محركًا اقتصاديًا حقيقيًا يساهم في تنشيط السوق المحلي وخلق فرص عمل مستدامة.
لم تقتصر آثار موسم الرياض على الفعاليات فقط، بل امتدت لتحفّز قطاعات حيوية مثل الضيافة والمطاعم. فقد أظهرت بيانات البنك المركزي السعودي أن مبيعات الفنادق ارتفعت بنسبة 19% خلال فترة موسم الرياض في الربع الرابع من عام 2024م مقارنه بالربع السابق، لتصل إلى 4.3 مليار ريال. أما الإنفاق على المطاعم والمقاهي في مناطق الفعاليات، فقد شهد نمواً سنوياً بلغ 60 %، ليصل إلى 25 مليار ريال، وهو ما يمثل أكثر من 40 % من إجمالي الإنفاق في العاصمة خلال تلك الفترة، مما يدل على الدور المتكامل لموسم الرياض في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتعزيز الإنفاق الاستهلاكي داخل المدينة.
الأمر الذي يجب الإشارة إليه، هو دعم الشركات والكفاءات الوطنية وفتح آفاق جديدة أمامهم للنمو والابتكار، إذ يُسهم الموسم في ضمان استفادة شرائح واسعة من المجتمع من عوائده الاقتصادية، من خلال توفير فرص العمل وتحفيز رواد الأعمال المحليين.
ففي نسخته الحالية، يركز الموسم على تعزيز المحتوى المحلي، بما يعكس الهوية السعودية ويُبرز الكفاءات الوطنية. ومجملًا، يمثل موسم الرياض رافدًا اقتصاديًا إستراتيجيًا يعزز من تنافسية المملكة في قطاعات السياحة والترفيه، ويؤكد قدرة الرياض المتنامية على استقطاب استثمارات كبرى في مختلف المجالات الخدمية واللوجستية.
حسنًا، ثم ماذا؟
موسم الرياض ليس مجرد حدث ترفيهي، بل منصة اقتصادية متكاملة تُسهم في تنويع مصادر الدخل وتوظيف الطاقات الوطنية بشكل يعزز مكانة الرياض عالميًا.