د. يعقوب بن يوسف العنقري
حظيت المملكة العربية السعودية باختيارها لاستضافة كأس العالم عام 2034م، هذا الحدث العالمي المهم الذي يحظى باهتمام بلدان العالم وشعوبها، ويحمل في طياته جوانب ثقافية واتصال حضاري، وتتاح فيه فرصة لشعوب العالم للتعرف عن قرب على ثقافة البلد المستضيف، ورؤية قيمه وتقاليده وثقافته بعيدا عن القولبة والصور النمطية.
ولأن بلادنا ذات إرث ثقافي وقيمي كبير، وذات سيادة تامة منذ تأسيسها، فقد بدأ النقاش الثقافي العالمي المعهود مبكرا منذ إعلان فوز المملكة باستضافة كأس العالم عام 2034م، وهذه النقاشات والتساؤلات تنطلق من الخلفيات الثقافية للطرف الآخر، وحيث ينطلق الطرف الآخر في تساؤلاته ونقاشاته من قاعدة أن ثقافته هي الثقافة الصحيحة، وبالتالي من منظوره يجب أن يمارسها في كل بيئة من هذا العالم، وما يعارضها من الثقافات في منظوره ينبغي إلغاؤها واستبدالها.
وهذه الإشكالية مبنية على عدم قيام بعض الحوارات حول هذه المناسبات والأحداث العالمية على أسس علمية حيث ينطلق الطرف الآخر في نقاشاته وتصوراته من الاحترام والقبول للاختلافات الثقافية، ومراعاته لمبدأ الخصوصية الثقافية لكل بيئة من البيئات، والحيادية تجاه الثقافات الأخرى بعيدا عن الاستعلاء والمركزية الأثنية، فعوضا عن الرفض أو الفرض لثقافة الطرف الآخر على البيئات الأخرى، يكون التقبل والتعايش معها وقبولها.
والشيء بالشيء يذكر، فقد أعجبني جواب سفير المملكة في بريطانيا سمو الأمير خالد بن بندر بن سلطان حينما سئل في لقاء إذاعي بريطاني حول هذا الموضوع بمناسبة كأس العالم في المملكة العربية السعودية، فكان إجابته الثقافية البسيطة في ظاهرها العميق في معناها، حيث قال في جوابه للمذيع على السؤال: (أن طقس بلادنا حار وجاف، كل إنسان له ثقافته الخاصة ونحن سعداء باستقبال الناس في تلك المناسبة ضمن حدودنا الثقافية، لكننا لا نريد نغير ثقافتنا من أجل أشخاص آخرين).
والحقيقة أن هذه الإجابة العميقة في دلالتها والتي تتجه إلى توعية المستمع والطرف الآخر بأن يراعي في نقاشات النظريات العلمية المنضبطة وينطلق منها نقده كنظرية النسبية الثقافية التي ترى أن لكل مجتمع ثقافته وخصوصيته، وبالتالي فيبتعد الإنسان عن تصورات الفرض الثقافي على الثقافات الأخرى، أو الأنا الثقافية.
ويكون عنده الاحترام للتنوع الثقافي والقبول به، فكما أن مناخ الدول مختلف ومتنوع ولا يمكن تغييره فكذلك الثقافات لا يمكن تغييرها لأجل الثقافات الأخرى، فلكل بيئة طابعها وخصوصيتها الجغرافية والثقافية، ويبقى الدور على الإنسان في احترامه لهذه التنوعات وقبوله بالتعددية الثقافية.