عبدالمحسن بن علي المطلق
من يوم (أعطَى من لا يملك من لا يستحق)!، أو تلك الجملة المشهورة، والتي أودت بحق كفلق الصبح جليا، وبعده ما جرى لقضيتنا «الأم» فلسطين، بالأخص وهي تحوي وقفاً إسلامياً مهما تساهلنا فلا يحق التفريط فيه، لما تبيّن مقامه في ختام حديث (.. لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى) كما في الصحيحين، ولكلمة ( الصحيحين) إيضاح جدير التنبيه له وكذا جُملة (مُتفق عليه) أن المتفق عليه لدى أهل السنّة أن الحديث إذا بلغ هذا المقام -أُلحق بهذا-، أي صحّ عند البخاري ومسلم رحمهما الله، فهو بلغ من درجات من الصحة ما لا يماري فيه أحدٌ..
فقضيتنا هذه -فلسطين- الواجب حيالها السعي الدؤوب لاستردادها، وبالأخص
(المسجد الأقصى) الذي ليس مجرّد أعمدةً وجدرانٍ، بل موضع رفعةٍ وذكرٍ، وميدان نال من زاره مضاعفة الأجور، وقد تبيّن مقامه في حديث تقدّم ما لا حاجة لإسهاب، فالكل أحسب بلغهم أضعاف ما في جعبتي عنه..
ومن هنا، ساق الدكتور (عبدالله بن ثاني) في الجزيرة العدد 19068، عن الجُرح الذي ينزف في ضمير كل مسلم في مادة دسمة جلّى فيها عن ذلك، ثم التفت (آل ثاني) مُثنّيا.. ومثنيا على الموقف السعودي الثابت إزاء هذه القضية، حين عنون بين هلالين» من وعد بلفور إلى وعد الأمير محمد بن سلمان» ، ففي الوعد الأول نجد.. ما يشجّ الحلوق تداوله!، على حدّ نعت الشاعر المهجري(إيليا أبي ماضي):
قل لليهود وأشياعهم لقد خدعتكم بروق المنى
ياليت» بلفور» أعطكم ديارا له لا بلادا لنا
وقبيل تطرّق -إتمام- مرام الكاتب.. التذكير أن أكثر ما ينطبق عليه مقولة (الحديث ذو شجونٍ..) وأيضا مآسٍ و أحُزان، هو هذا..
فكم من المرات يُفتح الجرح ليُعالج، لكن للأسف تنزل الآلام (أو هي تصحو)!، و بعد التي واللتيّا (مع) تصنّع يخامره التغافل -عنها- تكاد تخفّ تلك..
الموضوع
لا.. لم يشكّ مسلم يوما أن فلسطين كلها مطلب، فما خضنا معارك ما سبق إلا لها!
لكن رجحان الكفّة لم يكن باليد، فتجاوز صعوبات ما نُجابه هي فوق القُدرات
ونحن نتداول الأمر، لكن لعل المحاولة تطاول عبر بوابة السياسة، حين أُغلقت القوّة السبل أمام وعي ذوي الحجى، لكن هذا الباب خاضع لعنوان رئيس «فن الممكن»، وحسب العاقلة أبصرت في ساحات أخرى جدواها إن كان الغربم هو الأقوى، فقطفت من ذاك ثمارا، أعني سلك منحى (..ما لا يُدرك كله لا يترك جلّه)
فالنظرة العجلى تنبئ بعدم تكافئ المثاقيل عيانا و بيانا أن الحال منبئ أنه.. وبعد «طوفان الاقصى» والتبعات التي على مرأ العيون جليةً ، لكأنها ما تركت حُجة والأوجاع المتناثرة هناك الله وحده العالم متى تبرأ!
ولإن نظرية (خُذ وطالب) أكثر واقعية، والعلم فقد نُصح بها أهل القضية الأدنى (وهم الفلسطينيين ) من قِبل الكثير من المخضرمين بدهاليز السياسة ممن أمضى عمرا بتلك الأروقة، فأدركوا نجاعة تلك، بل وبعضهم زاد حين بالغ بإن من يغالط بهذه المسلّمة حُق عليه جلائل الملامة من إجمالي الأمّة..
ورحم الله حكيم الشعراء المتنبي لائما..كل/
من يُغالط بالحقائق نفسه
فيسوّمها (المحال).. فتطمعُ!
وأزيدكم أن للعامة مقولة في تقريعٍ لمن خالف ما لا ترمد أمام جلائه للعين (.. ما هكذا تورد الإبل)، والقصد أن ما هو مدرك بالعقل فلا حاجة لتجريب!
لأكرر - فما تكرر بالذهن استقرّ- أنه وحين الموازنة، فإن التخفيف من التبعات بخاصة على شعب اليوم يحاصر، وغدا كذلك إن لم يقبل المعروض فعالم (عصرنا) أُحدد ممثلي القوّة فيه مذهبهم واضح مسلكه إن لم يكن نُصرةً للمعتدي، ففي غض طرفه عما يفعل، ما ذكرني ب..ذنب أقبح من فعل!
وإلا كيف يطول هذا -أي الطوفان- كل هذه المدة ؟ و يزيدك مرارة أنه يقع تحت سمع العالم وبصره ، فكم من (... آهٍ) تنزف!، مما لا حاجة لمصاديق تسويق لحدوثه فعلا، ممن يدعي التحضّر، أبعد هذا نحتاج دليلا على أن المكاييل تختلف، إلا أن -هنا- وما لا خلاف عليه هو الذكاء التعاملي إزاء تلك المكاييل
فما لا يأتي بالعدل فليؤخذ بالحيلة، ورحم الله الشافعي الذي قال لسائل أضاع مكان ماله ((سوف احتال لك)).. أي على الشيطان، فنجحت الخطة وعثر على دراهمه، ونحن لا ينقصنا الدهاء شريطة إعماله لا إقصائه
وإلا فكم من نابغة حين لم يتعد صوته (جدران غرفته)، بقي عطاؤه في قمقمه مسجورا!
أقول بهذه الجزئية الهامة، لأننا بصراحة نعيش بعهد تحت لواء السياسة معقود النواصي، والسياسة مبدأها الذي -هي- لا تحيد عنه على نحو ما سبق: (فن الممكن)، والعامة شرحت ذاك المفهوم بـ(اللي تغلبه العب به)، وهنا فقد طال اللمز من تمادى فضيّع الفرص وهي تتلو..
(أن تخدعني أوّل مرة، فذاك ثقيل منك، إما أن تفعلها كرّة أخرى فهو غباء مني)، ولا أظن العرب فيهم هذه المثلبة ، لكن التعذير -لهم- على ما سلف محاولة التعلل بعسى، أو التعلّق بمشجب يقظة ضمير.. نرجو أحدهما وهما على الواقع المنظور بعيدان، كذا كانت بعض المنى يوما.. وهذا السراب سبب ما ضيّع (أو لكي لا أُكحّل وجه كلامي بالسواد) تسللت من بين يدي العرب خيوط كم كان بالامكان لوقُبلت( بوقت) ما.. أحداها السحب بتلك الخيوط باقي بساط أقصد أرض فلسطين، وها نحن فيها، بإدراك (ما يمكن إدراكه)، ألا يُشاهد حال من لا سمح الله داره تحترق يُسرّع في الاطفاء- أخذا بتلابيب تلك القاعدة- ، فلنتعامل برفق -الساسة- مع هذا الحبل مخافة لهُ انقطاعا..
فاليوم وبالأخصّ من بعد الطوفان أتُرانا فقنا على ضياع الفرص التي كانت، وكانت أفضل بكثير من المطروح اليوم، فلا نُفرّط فيأتي يوم لا نحصّل ب ه(شطر) هذا المعروض ولنتذكّر..
رب يوم بكيت منه، فلما
صرت لغيره بكيت عليه
كما وقاعدة السياسية -السالفة- نقيضة لجُملة «من بغاه كله تركه كله»، كما و كم ممن شطح في الطلب بظلّ وجود وسيطٍ عن التنازل و(قبول بعض حقه)، فأضاع الباقي!، وهاكم دليل ملموس/
كم من متشفّع كان سيدفع بعض الدين ( لو تساهل صاحب الحق) فأسقط الباقي.. لكن الرعونة في ركوب جادة الحدّية ضيّع على نفسه تلك الفرصة، ما كاد يحاكي من لقي حتفه آسف اقصد (.. بظلفه)، فتلكم نتاج صلافته، مع جلاء للمثل وهو عند العرب متداول( بحث عن حتفه بظلفه) و قيل- أيضا- مما يحاكيه(الجادع مارن أنفه بكفه)، قد ذكرهما في (مقامته) الحريري رحمه ربه..
فالأوّل أُخذا من حادثة عند العرب اشتُهرت {أن ماعزا كانت لقوم، فأرادوا ذبحها فلم يجدوا شفرة، فنبشت بظلفها في الأرض، فاستخرجت منها شفرة فذبحوها بها..}! و أما «الجادع مارن أنفه بكفه»، أن ( قصير ابن سعيد -مولى جذيمة الأبرش-والمثل: «لو يطاع لقصير رأي»، معروف، كما أن قصته مشهورة..، ولا غرو لو ألحق بالأخسرين ( أرباح) في دنياه ، لأن للآخرة حساباتها أُخرى
ثم (لو) تتبعنا -بالمناسبة- هذا اللون في كلام الحريري لخرجنا عن بوتقة الموضوع
فطال بنا المقام، لأنه -رحمه ربه- قد جمع الكثير من ذلك في ذلك الكتاب ، فنكتفي بما يخبر عن المناسبة وما يرفد حديثنا، ودواعي إنشاء ذاك المثل، الذي نقلنا بلا خطل.