أ.د.عثمان بن صالح العامر
لست في مقام بيان منزلة الوقف وأهميته في الإسلام، ولا المجال يسمح هنا الاستشهاد بشيء مما دونه المؤرخون وسوّدوا فيه صفحات مخطوطاتهم عن هذا الموضوع الحيوي المهم الذي كان رافدًا أساسًا، ومصدراً متجددًا للصرف على دور العلم والعلماء وطلابه ومقاره ووسائله وأدواته، كما أنني لن أحيل القارئ الكريم على ما هو داخل أروقة الجامعات العالمية المشهورة والمعروفة اليوم، الغربية منها والشرقية، ومنذ مئات السنين، ولن أعرّج على ذكر أسماء عدد من أصحاب الثراء ورجال المال والأعمال السعوديين - فضلاً عن غيرهم من الخليجيين والعرب والمسلمين - الذين امتدت أياديهم الكريمة بالبذل والعطاء لتؤسس من أوقافهم الخيرية مراكز متخصصة، وتدعم مشاريع علمية متميزة، وتنشأ كراسي بحثية معروفة في جامعات عالمية مرموقة، لكنني أردت هنا أن أشير إلى أن علاقة صناع القرار التعليمي، ورجال العلم، والأكاديميون المهتمون بالشأن المجتمعي برجال الأعمال والقطاع الخاص في بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية من الأهمية بمكان أن يتولد عنها اليوم مشاريع وقفية نوعية بامتياز، ومن بينها جامعة أهلية (وقفية) في منطقة حائل.
لقد منّ الله على هذه البلاد بالخيرات، وأنزل فيها البركات، وانبرى عدد من رجال الخير والبذل الذين رزقهم الله من رزقه الواسع لوقف جزء من أموالهم للجمعيات الخيرية، وبناء المساجد والجوامع في الداخل والخارج، وحفر الآبار وبناء مدارس تحفيظ القرآن الكريم، والمراكز الطبية المتخصصة، وهناك مِن هؤلاء الرجال والنساء أهل الفضل والعطاء مَن لا يزال يبحث عن فرص جديدة ومبتكرة يوقف فيها ماله طمعاً فيما عند الله أولاً، ثم وفاءً للوطن وأهله وقاطنيه. ولهؤلاء وأولئك وغيرهم من أهل الثراء والمال أعرض في هذا المقال هذه الفرصة الذهبية؛ جامعة أهلية (وقفية) في منطقة حائل، فالوقف الخيري على العلم من أنفع المشاريع، وأكثرها ثمرة، وأعظمها بركة.
نعم قيادة بلادنا الغالية لم تقصر ولن تقصر في فتح أبواب جامعاتنا الحكومية للراغبين الدراسة الجامعية بل ومواصلة دراساتهم العليا في جميع التخصصات الأكاديمية، ولكن كما هو معلوم الأعداد تتزايد، والطلب على التعليم الجامعي يعظم في كل عام، ولا يخفى على القارئ الكريم ما يحدث في أيام القبول من معاناة، خاصة بعد أن صار القبول عن طريق المنصة الوطنية للقبول الموحد (قبول)، ولأنني أعرف شخصياً أن هناك محاولات جادة لافتتاح كليات نوعية في المنطقة إلا أنها للأسف لم ترَ النور حتى تاريخه لأسباب عدة ليس هذا مقام الحديث عنها، ولذا فالبديل الأمثل في نظري المشاركة المجتمعية لتأسيس جامعة أهلية وقفية، وهذا ليس بدعاً من القول، ولا هو جديد في الأوساط الأكاديمية، ففي بلادنا المباركة فضلاً عن غيرها تجارب ناجحة لجامعات وقفية متميزة.
إن التعليم الجامعي لجيل اليوم وإلحاق أبنائنا وبناتنا في الكليات النوعية المتميزة التي يتنافس الطلاب والطالبات من جميع مناطق المملكة على مقاعدها يحتاج منا تضافر الجهود، والتشجيع والمؤازرة، والدعم المادي والمعنوي، والأوقاف من هذا الباب، فهي فضلاً عن أجرها العظيم عند الله عز وجل، تعبير صادق عن الشعور بالانتماء الوطني والحرص على مستقبل الجيل، ويمكن تخليد أسماء الواقفين بلوحات الشرف، ومنصات التتويج، وإطلاق القاعات التدريسية، والمدرجات التعليمية، وشوارع المدينة الجامعية، والمعامل والمختبرات، وغرف الاجتماعات، على المصطفين من هؤلاء الواقفين، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.