د.محمد بن عبدالرحمن البشر
غزة تلك الأرض الفلسطينية منذ آلاف السنين والتي سماها القدماء المصريون، أو الفراعنة كما يحلو للبعض التسمية، تسمية قريبة من لفظ غزة، وهي غزاتو، وسماها الكنعانيون هزاتو، وهذا الاسم قديم قدم التاريخ، وفلسطيني الطعم والرائحة والثقافة، عاشت عبر التاريخ منطقة بينية في الصراع بين الحضارات القديمة، الكنعانية، والمصرية، والحيثية، والبابلية، والآشورية والفارسية، واليونانية، وغيرها وأخرى مثل المعينية، والمؤابية، وقد كانت ممراً مهاماً للتجارة بين اليمن وما خلفه وبين والشام، والتي يقوم بها القرشيون الذين دأبوا على ذلك قبل الإسلام، وقد توفي بها هاشم بن عبد مناف، ولذلك فقد سميت غزة هاشم.
لن نطيل الحديث عن تاريخها لنتحدث عن واقعها، فقد ابتليت بالاحتلال الإسرائيلي، وقد كافح أهلها كفاحاً عظيماً في فترات مختلفة، استطاعوا في كل مرة إخراج المحتل، لكنه لم يتراجع عن حصارها، والتضييق على أهلها في مناحي حياتهم، وسكانها خليط من أهلها الأصليين، وأولئك المنتقلين إليها من يافا وحيفا، ومن بلدات أخرى مازالت تحت يد إسرائيل، والحرب على غزة بعد السابع من أكتوبر صاحبه القتل والدمار الهائل، مما دعا الأمم المتحدة وصف ما جرى على أهلها بحرب الإبادة، وأخذت الدول العربية تنافح بكل ما أوتيت من قوة دبلوماسية لإيقاف حرب الإبادة، وقد كانت المملكة العربية السعودية رائدة في هذا المسعى لما له من ثقل عالمي وما لقادتها من علاقات متميزة مع الدول الفاعلة، وتأثير القيادة السعودية الكبير على الساحة العالمية ومتخذي القرار بها.
بعد لقاء مثمر بين دول فاعلة في الشرق الأوسط عربية وإسلامية، ومن أهمها المملكة العربية السعودية، منح الرئيس الأمريكي ترامب، صهره كوشنر، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير صياغة خطة للسلام في غزة والشرق الأوسط من إحدى وعشرين نقطة، وتمت صياغتها، وأخذ ترامب فيما يبدو في نقاش مرير مع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو لخلاف في طموح الرجلين، فالرئيس ترامب يريد أن يكون رجل السلام وينال جائزة نوبل، ونتنياهو لديه مشكلة خاصة قد تودعه السجن إذا ما خسر منصبه لسبب أو لآخر، ولديه استراتيجية توسعية مبنية على أيدولوجيا بالية، ولديه أذرع مناصرة محيطة بالرئيس الأمريكي يرتبط معها بعلاقة متينة وتتفق معه في الرؤية والأيدولوجيا والثقافة، وتحارب من أجل ذلك، ولهذا كان الأمر صعباً، لكن في نهاية الأمر وافق الجميع على الخطة.
قدم ترامب إلى المنطقة مزهواً بقبولها من نتنياهو، ودخل الكنيست، وأخذ يكيل المديح لنتنياهو، ربما دعماً له في الانتخابات القادمة، أو جزاء له على الموافقة، أو بتأثير أصدقاء نتنياهو المحيطين به، لكن المبالغة في المديح تذكرنا فيما كان يلقيه المتنبي من شعر أمام سيف الدولة الحمداني، راجياً منه أن ينظر إليه بعين العدل، فيقول:
يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ
أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً
أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ
أو كما يقول ابن زيدون مادحاً لأبي الوليد بن جهور:
فرح الرئاسة إذ ملكت عنانها
فرح العروس بصحة الاملاك
وبادله نتنياهو المديح ووصفه بأعظم رئيس والمرشح الأوحد والأجدر لنيل جائزة نوبل، لم يذكر ترامب شيئاً عن حل الدولتين ولم يذكر الشرعية الدولية، وإنما يريد السلام لإسرائيل ووقف العنف والإرهاب من قبل الفلسطينيين، وكأن أرضهم لم يتم احتلالها، كما ذهب إلى شرم الشيخ، واجتمع مع عدد من قادة الدول أو ممثليها فقط للقاء القادة، وإعطاء الأمر هالة كبيرة لا غير، لكن الأهم أن الحرب توقفت، وتوقف القتل والدمار.