سلمان بن محمد العُمري
يتباين الناس في طبائعهم وسلوكهم وفي أقوالهم وفي مزاحهم، بل إنه هناك من هو محروم من البسمة والابتسام تراه دائماً عابس الوجه مقطب الحاجبين مع أهله وزملائه وجيرانه، وكل من له علاقة به لا يفتر له ثغر ولا تنبسط أسارير وجهه فلا تراه إلا معبساً، ومن هذا طبعه فإنك ترأف بحاله وحال من حوله وهو يعيش في جو كئيب.
وهناك المكثر من المزاح والضحك، وهناك المقل وهناك الغث والسمج الذي يستحلي طباعه والناس تمقته، وهناك من ترقب الناس منه الملحة والنكتة والفكاهة القولية أو الفعلية بل حتى ما يسمى بـ»المقالب»، تستظرف وتستملح من أناس وفي المقابل تجد من المتلقلين من هو جامد لا يتحرك ولا يتقبل وليس لديه أي ردة فعل.
والبعض يتمادى في المزاح مع الصغير والكبير ولا يبالي بالمشاعر وردة الفعل وطبيعة المتلقي وظروفه الصحية والنفسية، بل وربما زاد على ذلك في توثيق» هباله» وهو يقوم ب»ترويع» طفل صغير في موقف يوجل منه الكبير ولا يتحمل الصدمة فكيف بالطفل الصغير.
وإذا كان تهديد الطفل وتخويفه بالضرب والعقاب يحدث له ردة فعل سلبية تمتد لسنوات طويلة فكيف بمن يمارس عملاً دنيئاً بترويع طفل وتخويفه وقد يعلم أولا يعلم عن المضار النفسية التي تلحق بالطفل بسبب المزاح الثقيل، وكم من طفل تضرر نفسياً نتيجة لموقف سلبي من قرنائه وأصحابه وهم يلعبون ألعابًا مخيفة أو بينها عنصر التخويف أو المفاجأة، والأدهى والأمر أن يكون أحد الوالدين هو من يقوم بهذا العمل السلبي، وقد اكدت الدراسات العلمية والنفسية من قبل المختصين أن المقالب مع الأطفال لها علاقة بالأمراض النفسية السلبية، ومن تلك الأثار اضطرابات القلق واضطرابات النوم والخوف الدائم واضطرابات الشهية وفقدان الثقة في النفس وفي الآخرين وعدم القدرة على اتخاذ القرارات ومشكلات النطق والتأتأة نتيجة لمواقف سلبية أو الترهيب من الأهل.
أتذكر أن رجلاً ناهز الثمانين عاماً وهو مضطرب الشخصية حتى توفاه الله وكان ممن عاصروه يذكرون أن السبب في حالته النفسية واضطرابه الدائم هو نتيجة عكسية وردة فعل لمزاح ثقيل قام به مجموعة من زملائه في سن الشباب وقت الليل وهم في نزهة برية ولم تستقر حالته النفسية حتى بعد زواجه وأصبح جداً.
والواجب أن نتجنب كثرة المزاح بوجه عام لما لها من عواقب وخيمة ليس على المتلقي فحسب بل حتى على من يقوم بالمزاح والمقالب فمن يتصف بالغالب بهذه الصفة ويستمر عليها ويستمرئها يكون لديه أعراض كثيرة من إماتة القلب والغفلة وإسقاط هيبته عند الآخرين، ولست هنا أدعو إلى ترك المزاح بالكلية، ولكن أدعو إلى المزاح المعتدل وأن يكون لكل مقام مقال، وأن يتم مراعاة السن والأحوال النفسية والصحية، وأن يسلم هذا المزاح من الإيذاء النفسي والبدني، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقاً، وينهى عن ترويع المرء لأخيه ولا يداوم عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولكنه كان يقول: «إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً».
إن المزاح المفرط الذي ينتج عنه عواقب سلبية يجب الابتعاد عنه والتنفير منه، وأن يكون الاعتدال هو الضابط للمزاح بوجه عام والبعد عن كل ما فيه ضرر على الناس في دينهم ودنياهم والحذر من الترويع بوجه عام والأطفال بوجه خاص واختيار الوقت والمكان المناسب للمزاح والتفريق من أحوال الناس في هذا الأمر ومدى تقبلهم له.