د. سطام بن عبدالله آل سعد
لم يكن تأهل منتخبنا الوطني إلى كأس العالم 2026 حدثًا عابرًا، كما لم يكن تتويج سالم الدوسري بلقب أفضل لاعب في آسيا للمرة الثانية مجرد إنجازٍ فردي. فكلا الإنجازين يشكّلان مشهدًا متكاملًا لعصرٍ ذهبيٍ جديد، تتقاطع فيه استدامة العطاء الفردي مع التفوق الجماعي، لتجسّد روح المملكة الجديدة التي تصنع النجاح بالتخطيط والإصرار.
وفي اللحظة التي رفع فيها الدوسري الجائزة الآسيوية مجددًا، كانت الجماهير تستحضر صورة المنتخب السعودي وهو يحجز مقعده في مونديال أمريكا. هذا التزامن بين المنجزين يتجاوز حدود التوقيت والمكان؛ فسالم كان القائد الميداني في مسيرة الأخضر نحو المونديال، بحضوره وخبرته وقيادته التي أعادت الثقة إلى نفوس اللاعبين في مرحلة خطيرة من التصفيات. فاللاعب الذي يرفع راية الهلال في البطولات القارية، هو نفسه الذي يرفع راية الوطن في المحافل العالمية، ويترجم بأدائه رؤية 2030 الرياضية الطموحة.
حين يُذكر الإبداع الكروي في آسيا، يسطع اسم سالم الدوسري كنجمٍ يزداد توهجًا عامًا بعد عام، بعد أن نال لقب أفضل لاعب في آسيا لعام 2025 للمرة الثانية بعد إنجازه الأول في 2022، ليؤكد أنه ظاهرة رياضية متجددة ومستدامة تجمع بين الموهبة والانضباط والقيادة. فمنذ بداياته، أثبت أن النجومية رحلة وعيٍ وإصرارٍ وانضباطٍ ذاتي؛ لاعبٌ يدير الإيقاع، ويقرأ الملعب بعين المدرب، ويحوّل الضغط إلى فرصة. وقد تجلّى ذلك في قيادته للمنتخب نحو المونديال بروح القائد ومسؤولية المحترف، إذ كان عقل الفريق وقلبه النابض، ورمز الخبرة والنضج القيادي، مجسدًا هوية اللاعب السعودي الواعي الذي يؤمن بأن النجاح الرياضي يُبنى على الفكر والانضباط قبل اللياقة.
ما يميز سالم أنه يجدد مجده مع كل موسم، ولا يعيش على أمجادٍ مضت. فقد أصبح نموذجًا حيًا لفلسفة الرياضي المتطور الذي يؤمن بالتجدد المستمر والإصرار على البقاء في القمة دون أن تبهت الروح أو ينطفئ الطموح. وهكذا صار فوزه الفردي مرآةً لنجاح المنتخب، ونجاح المنتخب ثمرةً لثقافة الاحتراف التي يعبّر عنها سالم في أدائه وسلوكه.
إن سالم الدوسري منظومة وعيٍ وطنيٍ ورياضيٍ متكاملة. إنجازاته تعكس النضج والوعي الذي بلغه اللاعب السعودي كما ينبغي أن يكون. وإذا كان لكل أمةٍ أسطورتها الرياضية التي تعبّر عن روحها، فإن سالم هو الأسطورة التي تمثّل الحلم الرياضي السعودي المتجدد. حلمٌ لا ينتهي عند صافرة، ولا يُقاس بعدد الأهداف، بل بما يتركه من أثرٍ خالدٍ في الوعي الوطني والرياضي.