د. رانيا القرعاوي
قال الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، المهندس أمين ناصر، في كلمته أمام منتدى الطاقة الدولي في لندن، إن الطلب العالمي على النفط سيواصل ارتفاعه بمقدار يتراوح بين 1.1 و1.3 مليون برميل يوميًا خلال عام 2025، وبما بين 1.2 و1.4 مليون برميل يوميًا في عام 2026، مؤكدًا أن العالم لم يبلغ بعد ذروة الطلب على النفط.
وكشف التقرير السنوي لوكالة الطاقة الدولية (IEA) أن المملكة تتصدر الشرق الأوسط في حجم الإنفاق القياسي على قطاعي النفط والغاز في مرحلة التنقيب والإنتاج، بعد أن بلغت الاستثمارات مستويات غير مسبوقة هذا العام.
ويعزو التقرير هذا النمو إلى نهج إستراتيجي جديد تتبناه السعودية، والذي يتبنى مبدأ «الوفرة المسؤولة» أي تحقيق أمن الإمدادات مع تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة.
فبين مشاريع سدير للطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر في نيوم، وتقنيات احتجاز الكربون، تُعيد المملكة تعريف مفهوم الدولة الطاقية من منتجٍ تقليدي إلى قوة طاقة شاملة تقود التوازن بين الاقتصاد والاستدامة.
ورغم هذا الحراك النوعي، لم يواكب الإعلام العربي هذه التحولات بتحليلٍ يليق بحجمها.
ففي الوقت الذي قدّمت فيه الصحف العالمية قراءات معمّقة ربطت بين استثمارات أرامكو واتجاهات الاقتصاد العالمي، اكتفى كثير من الإعلام المحلي بالتغطية ونقل الخبر فقط دون عناء تفسيره وتحليله؛ فنجد أن الخطاب المحلي رهين النمط الخبري الذي يُغفل الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية للسياسات السعودية في الطاقة.
يمكن تفسير هذا الفارق من خلال نموذج الإقناع في الاتصال (Elaboration Likelihood Model) الذي وضعه ريتشارد بيتي وجون كاتشوبو، والذي يوضح أن المتلقي يقتنع عبر مسارين:
الأول: المسار المركزي، الذي يعتمد على التحليل والأدلة والمنطق، والثاني: المسار الطرفي، الذي يقوم على الانطباعات والعواطف والسطحية.
وحين يكتفي الإعلام بالنقل دون تحليل، فإنه يمر عبر المسار الطرفي، بينما الإعلام الدولي يبني سرديته عبر المسار المركزي، مستخدمًا البيانات والحجج لإقناع الجمهور.
وخبراء الإعلام يعرفون أن الإقناع لا يتحقق بنشر الخبر، بل بفهم معناه وتأطيره. فبحسب الكندي مارشال ماكلوهان، إن وسائل الإعلام لا تنقل الواقع فحسب، بل تُشكّل الطريقة التي نفكر بها حوله.»
وهي حقيقة تؤكد أن الوعي الإعلامي لا يُقاس بعدد الأخبار المنشورة، بل بقدرة الإعلام على تفسير الاتجاهات وصناعة الفهم العام؛ فالإعلام السنع هو الذي يفسر ما وراء الخبر، لا الذي ينشر عنوانه. فإعلامي واحد مؤهل يمكنه أن يغير العالم أكثر مما تفعله ألف حملة.
وفي هذا السياق، تمثل رؤية السعودية 2030 نموذجًا واضحًا في تمكين الإعلام الوطني للتحول من دور الناقل إلى المحلل.
فتأسيس برامج للتدريب الإعلامي في مجالات مثل الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر، ستساعد في بناء جيل من الإعلاميين القادرين على التفكير التحليلي والإقناع المهني.
وفي مشهد الطاقة العالمي، تبدو المملكة كقوةٍ تعرف طريقها بدقة وثقة، تقود التحول و تعمل على الجمع بين نمو الاقتصاد والحفاظ على البيئة واستدامة الموارد الطبيعية.
وعلى الإعلام المحلي أن يلحق بهذه الرؤية بالفكر لا بالشكل، ويتحول من مسار النقل إلى مسار الإقناع، ومن مجرّد تغطية الحدث إلى صناعته بوعي ومسؤولية.
ففي النهاية، ليست الأخبار ما يصنع التاريخ، بل القدرة على فهمها، وإقناع الناس بمعناها وتبنيها والدفاع عنها.