د.عبدالرحيم محمود جاموس
بعد توقيع اتفاق إنهاء الحرب على غزة في قمة شرم الشيخ للسلام، عاد السؤال الجوهري إلى الواجهة: هل ما زالت الولايات المتحدة ترفض الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، أم أنها بدأت تعيد النظر في موقفها بعد موجة الاعترافات الأوروبية الأخيرة؟
في أول تصريح له بعد الاتفاق، قال الرئيس دونالد ترامب لشبكة CNN: «لسنا نتحدث عن دولة واحدة أو دولتين، بل عن إعادة إعمار غزة أولاً». هذه العبارة الموجزة تختصر الموقف الأمريكي: تأجيل السياسة لحساب الإعمار، وتجنب أي التزام مباشر بإقامة الدولة الفلسطينية. إنها سياسة الغموض البنّاء التي تستخدمها واشنطن منذ عقود لإدارة الصراع لا حله.
لكن التطورات الأوروبية الأخيرة جاءت لتقلب المعادلة، فكلٌّ من إسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة أعلنت اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، وقرّرت إعادة فتح قنصلياتها في القدس الشرقية.
هذه الخطوات الرمزية والعملية في آن واحد تمثل كسرًا للاحتكار الأمريكي للملف الفلسطيني، ورسالة مفادها أن العالم لم يعد ينتظر الضوء الأخضر من واشنطن كي يعترف بالحق الفلسطيني.
في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة تمتلك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ما يتيح لها تعطيل أي قرار ملزم لصالح فلسطين، غير أن الواقع السياسي تغيّر؛ فالمجتمع الدولي بات يرى في الفيتو الأمريكي دفاعًا عن الاحتلال أكثر منه دفاعًا عن الأمن، فيما تجاوز عدد الدول المعترفة بفلسطين 159 دولة.
أما قضية القدس فهي بيت القصيد، فبينما تؤكد أوروبا والأمم المتحدة على أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية، ترفض واشنطن التراجع عن قرار نقل سفارتها عام 2018، وتتعامل مع المدينة باعتبارها موحدة تحت السيادة الإسرائيلية.
وهذا التناقض يجعل من خطابها عن «حلّ الدولتين» مجرد غطاءٍ سياسي، لا التزامًا حقيقيًا.
اليوم، تبدو واشنطن أمام خيارين: إما أن تلتحق بالإجماع الدولي وتشارك في بناء سلامٍ عادل، أو تواصل سياسة الغموض والانحياز لتجد نفسها وحيدة في مجلس الأمن.
إن الاعتراف بفلسطين لم يعد مجرّد موقف رمزي، بل اختبارٌ أخلاقيٌ عالمي يكشف من يقف مع العدالة.. ومن يصرّ على العمى السياسي.