د.شريف بن محمد الأتربي
سعدنا جميعا قبل أيام قليلة بالاستماع إلى الخطاب الملكي الذي ألقاه سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- نيابة عن مولاي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، لقد كانت كلمات نابعة من القلب، معبرة عن صوت وضمير كل سعودي وعربي في ظل الظروف الحالكة التي تمر بها الأمتين العربية والإسلامية، ورغم ذلك لم يخل الخطاب من التأكيد على دور المملكة في دعم كل قضايا الأمتين، وبذل الغالي والنفيس لنصر قضاياها في جميع المحافل، ولم لا، ومملكتنا الحبيبة قد تأسست منذ أكثر من ثلاثة قرون على مبادئ راسخة ترتكز على إعلاء الشريعة الإسلامية وإقامة العدل والشورى، مما يعكس التزامها العميق بالقيم الإسلامية، كما تعتز المملكة بما تقدمه من خدمات لزوار الحرمين الشريفين، وتعتبر هذا من أولوياتها العظمى ومسؤوليتها الكبرى وشرفًا عظيمًا تحظى به، وتوليهما كل العناية والاهتمام.
كانت الكلمات التي ألقاها سمو سيدي ولي العهد عن الاقتصاد السعودي مطمئنة ومحفزة لكل أبناء الوطن، فاقتصادنا -وبفضل الله تعالى- يمضي في مساره الصحيح الذي رسمته رؤية 2030 نحو تنويع مصادره، ظهر ذلك جليا بلغة الأرقام حيث حققت الأنشطة غير النفطية 56 % من الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزةً ما كان مستهدفًا لها، وهذا دليل على قدرة المملكة على تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز موقعها كمركز عالمي يستقطب كافة أنواع الأنشطة الاقتصادية في إطار مستهدفات رؤية 2030 والتي تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام من خلال بيئة استثمارية محفزة وتعدد أوجه الاستثمارات مثل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والذي تسعى المملكة إلى أن تصبح مركزًا عالميًا في هذا المجال، مما يعزز من تنافسيتها في الأسواق العالمية.
لا وجود للدول الضعيفة على خارطة العالم، ومن أجل ذلك عملت المملكة على رفع قدراتها الدفاعية إلى أعلى المستويات العالمية، حيث تمكنت من زيادة توطين الصناعة العسكرية من 2 % إلى أكثر من 19 %. هذا التقدم يسهم في تحقيق الاستقلالية الدفاعية ويعزز من قدرة المملكة على مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.
يظل المواطن هو الشغل الشاغل لقادتنا -حفظهم الله- حيث تدرك الدولة أن وجود مالية عامة قوية ومتنوعة هو ضرورة أساسية للتنمية المستدامة، لذا لقد عملت المملكة منذ انطلاق رؤية 2030 على بناء هذا الأساس، مما أتاح لها تحقيق أهداف اقتصادية مهمة، مثل انخفاض نسبة البطالة وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، كما تعمل الدولة -أعزها الله- على القضاء على المشكلات التي تثقل كاهل المواطن مثل ارتفاع أسعار العقار السكني، حيث وضعت سياسات تهدف إلى إعادة التوازن إلى السوق، مما يتيح خيارات سكنية مناسبة للمواطنين.
رغم تذبذب الاقتصاد العالمي، وتأثر كبريات الدول بذلك نتيجة للأزمات والصراعات العديدة وتغيير القوانين الجاذبة للاستثمار، إلا أن أداء حكومتنا الموقرة الاحترافي قد ساهم في امتصاص الصدمات الاقتصادية، مما انعكس على تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين.
عالميا وإقليميا، لم تكن المملكة غائبة لحظة واحدة عن قضايا المنطقتين، حيث تسعى المملكة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أنها رفضت وأدانت الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على كافة الدول العربية، وخاصة العدوان على دولة قطر الشقيقة والشعب الفلسطيني الأبي.
إن موقف المملكة الثابت في دعم القضايا العربية والإسلامية يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030، والتي تهدف إلى تعزيز دور المملكة كقوة استقرار في المنطقة.
لاتزال مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة تشكل مسارًا لتحقيق الاستقرار في المنطقة ودعم الدولة الفلسطينية، وعليه ومن أجل زيادة الضغوط على الكيان الغاشم بذلت المملكة جهودا دبلوماسية جبارة مع أصدقائها في الخارج لزيادة عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين. وعلى صعيد الدولة السورية، فقد اتخذت المملكة مواقف محورية لدعم وحدة أراضي سوريا وإعادة بناء اقتصادها، مما يعكس التزامها بالمساهمة في الاستقرار الإقليمي، كما استطاعت المملكة بفضل الله ثم بفضل جهودها الدبلوماسية وقوتها العالمية في رفع العقوبات التي فرضتها الدول الخارجية على دولة سوريا الشقيقة.
وفي رسالة إلى أعضاء مجلس الشورى في سنته الثانية من الدورة التاسعة، عززت قيادتنا الرشيدة دور مجلس الشورى في تطوير الأنظمة والتشريعات التي تسهم في تحقيق رؤية 2030 في ظل سعي المملكة إلى رفعة المواطن وتقدم البلاد في مختلف المجالات، مما يعكس التزامها العميق بتحقيق التنمية المستدامة والازدهار.
حفظ الله وطننا وقادتنا...