هدى بنت فهد المعجل
هل ما لم يحدث قط ولن يحدث أبدًا يمكن أن نقول إنه ممكن؟
هذا السؤال يطرح على صعيد الفلسفة والمنطق مسألة الحدود بين الممكن والمستحيل، بين الواقع والخيال، وبين العقل والوجود. لفهمه، يجب أولًا تمييز نوعين من الإمكانية: الإمكانية الواقعية والإمكانية المنطقية.
الإمكانية الواقعية تشير إلى ما يمكن أن يحدث في العالم بحسب قوانين الطبيعة والظروف الحالية أو المستقبلية. على سبيل المثال، من الممكن أن تمطر غدًا في مدينة معينة، لأن قوانين الطقس تسمح بذلك. أما الإمكانية المنطقية فهي تتعلق بما لا يتناقض مع العقل أو المنطق، حتى لو لم يتحقق قط في الواقع. فمثلاً، من الممكن أن يولد كائن يحمل صفات فريدة لم تحدث من قبل، لأن هذا لا يتناقض مع قوانين المنطق، رغم أنه لم يحدث ولا يمكن التنبؤ به.
لكن عندما نتحدث عن شيء لم يحدث قط، ولن يحدث أبدًا، فإننا غالبًا نقصد المستحيل الواقعي - أي شيء يتناقض مع قوانين الطبيعة أو مع نفسها. مثال: الكرة المستديرة لا يمكن أن تكون مربعة في نفس اللحظة، أو أن يتحرك جسم بسرعة تفوق سرعة الضوء في الفراغ بحسب الفيزياء الحديثة. هنا، يصبح القول بأن هذا الشيء «ممكن» غير دقيق، لأن الإمكانية تتطلب أن تكون غير مستحيلة على الأقل في إطار قوانين الواقع.
مع ذلك، على الصعيد المنطقي أو الخيالي، يمكن التفكير في إمكانية الأشياء التي لم تحدث قط، بشرط ألا تنقض قوانين العقل. الفلاسفة مثل أرسطو وسبينوزا ميزوا بين الممكن بالمعنى المنطقي، والمستحيل بالمعنى المنطقي، مؤكدين أن الإمكانية تتعلق بما يمكن تصوره دون تناقض داخلي.
من منظور الفكر الإبداعي أو الأدبي، ما لم يحدث قط قد يُنظر إليه على أنه ممكن، لكنه في نطاق الخيال أو الاحتمالات النظرية، وليس في الواقع العملي. فالأعمال الأدبية والخيالية تبني عوالم «ممكنة» لم تحدث أبدًا، لكنها تتماشى مع قواعد منطقية محددة داخل تلك العوالم.
الخلاصة: القول بأن شيئًا لم يحدث قط ولن يحدث أبدًا «ممكن» يعتمد على تعريفنا للممكن. إذا قصدنا الإمكانية الواقعية، فالإجابة: لا، لأنه مستحيل عمليًا. أما إذا قصدنا الإمكانية المنطقية أو التصويرية، فربما نعم، بشرط ألا يتناقض مع العقل والمنطق. وهكذا، تصبح المسألة مسألة حدود بين الواقع والخيال، بين القوانين الطبيعية وحدود الفكر البشري.