خالد بن عبدالرحمن الذييب
لم يعد التخطيط العمراني في المملكة العربية السعودية يقتصر على حسابات الكثافة السكانية والعائد المادي؛ بل تحوّل إلى أداة استراتيجية عميقة تهدف إلى تحقيق التوازن بين التنمية العمرانية والرسالة الإنسانية والمجتمعية للمملكة.
هذا التوجه يمثل جوهر الفلسفة التخطيطية لرؤية 2030، حيث يلتقي طموح «الاقتصاد المزدهر» بفكرة «المجتمع الحيوي»، ويمثل التخطيط العمراني في المملكة العربية السعودية اليوم تجسيداً عملياً لـركائز رؤية 2030، حيث تجاوز دوره التقليدي ليصبح أداة استراتيجية تهدف إلى تحقيق التوازن بين التنمية العمرانية والرسالة الإنسانية للمملكة.
تظهر هذه الفلسفة في مشاريع تطوير الحرمين الشريفين. فمشروع مثل «بوابة الملك سلمان» في مكة المكرمة، الذي أُعلن عنه سمو ولي العهد مؤخراً، ليس مجرد مشروع عقاري ضخم، بل هو نموذج متكامل للتخطيط المرتكز على خدمة الإنسان وتطوير المكان.
إن الهدف الأسمى من المشروع هو الارتقاء بمنظومة الخدمات المقدمة وتوفير مرافق سكنية وثقافية وخدمية محيطة بالمسجد الحرام، بما يتماشى مع مستهدف الرؤية لاستقبال 30 مليون معتمر بحلول 2030. تظهر فلسفة المشروع من خلال الدمج الاستراتيجي مع هدف الرؤية المتعلق برفع مستوى جودة الحياة والتنافسية العالمية، والتفعيل المباشر لبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، الذي يندرج تحت ركيزة «مجتمع حيوي».
إن التخطيط في المملكة اليوم لا يفصل بين التقدم العمراني والاحتياج الروحي، ويقدم للعالم نموذجاً حضرياً فريداً حيث تكون التنمية العمرانية وسيلة لتعزيز رسالة إنسانية روحية، وليس هدفاً نهائياً بحد ذاته.
فالهدف ليس بناء فنادق وتطوير مشاريع عقارية وحسب، بل تسهيل زيارة ضيوف الرحمن والارتقاء بتجربتهم الإيمانية. هذا هو الهدف الديني والمجتمعي.
وهذا الدمج يتحقق من خلال البنية التحتية الروحية بتوفير طاقة استيعابية إضافية للصلاة والتركيز على الوصول المباشر والميسر للمسجد الحرام، والحفاظ على الإرث الثقافي، مما يربط الزائر بتاريخ المكان ويُثري رحلته الثقافية، وهذا يخدم الرسالة الدينية للمكان.
أما المجتمعي/ الحضري يتمثل في تصميم مشروع يجمع بين الحداثة والروحانية، واستخدام حلول الإدارة الذكية لضمان سلامة وراحة الزوار، مما يعزز البعد الإنساني في التخطيط، والتركيز على جودة الحياة للسكان المحليين في مكة من خلال توفير خدمات سكنية متكاملة (كما في ضاحية بوابة مكة الأخرى)، يضمن استدامة المجتمعات التي تخدم الحجاج والمعتمرين.
أخيراً ..
البعد الإستراتيجي في رسالة المملكة الإنسانية ينتج عنه تنمية عمرانية مستدامة.
ما بعد أخيراً..
التنمية العمرانية وسيلة لتحقيق أهداف إستراتيجية على المدى الأبعد.