د. عيسى محمد العميري
في ظل التطور المتسارع في التقنيات الرقمية واعتماد دول العالم على الأنظمة الإلكترونية في إدارة شؤونها الاقتصادية والأمنية والخدمية، أصبحت التهديدات السيبرانية من أبرز التحديات التي تواجه الدول، ولاسيما في منطقة الخليج العربي التي تشهد نمواً رقمياً متقدماً ومشروعات وطنية ضخمة ضمن رؤى التنمية المستقبلية. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى توحيد الجهود الخليجية في مواجهة هذه التهديدات وتعزيز التعاون والتنسيق المشترك لحماية البنية التحتية الرقمية والحفاظ على أمن المعلومات.
لقد أدركت دول الخليج العربي مبكراً أهمية الأمن السيبراني كركيزة من ركائز الأمن الوطني، فعملت على إنشاء هيئات ومراكز وطنية متخصصة، وإطلاق استراتيجيات شاملة للأمن السيبراني، إلا أن طبيعة التهديدات الحديثة تتجاوز الحدود الوطنية، حيث إن الهجمات الإلكترونية لا تعترف بالجغرافيا، بل تستهدف المصالح الحيوية للدول من أي مكان في العالم. ومن هنا يصبح التعاون الإقليمي الخليجي ضرورة استراتيجية وليست خياراً، لضمان الحماية الجماعية وتقوية منظومة الدفاع الرقمي المشترك. ويأتي مجلس التعاون لدول الخليج العربية كمنصة مثالية لتنسيق هذه الجهود، من خلال تبادل المعلومات والخبرات الفنية بين الدول الأعضاء، ووضع إطار موحد للاستجابة للحوادث السيبرانية، وتطوير أنظمة إنذار مبكر قادرة على رصد التهديدات والتعامل معها بسرعة وفعالية. كما يمكن تعزيز التعاون عبر تنفيذ تدريبات ومحاكاة مشتركة، وإنشاء شبكة خليجية موحدة للاتصالات الآمنة بين المراكز الوطنية للأمن السيبراني. تسعى دول الخليج إلى تحقيق التحول الرقمي الآمن ضمن رؤاها الوطنية مثل «رؤية السعودية 2030»، و»رؤية الإمارات 2071»، و»رؤية الكويت 2035»، وغيرها. غير أن تحقيق هذه الطموحات يتطلب بيئة رقمية محمية من الهجمات والاختراقات، مما يجعل الأمن السيبراني جزءاً أساسياً من الأمن القومي الخليجي، وعنصراً محورياً في حماية الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية الحيوية. كما أن التهديدات السيبرانية قد تتطور لتشمل مجالات حساسة كالمصارف، والطاقة، والاتصالات، بل وحتى البيانات الشخصية للمواطنين. لذا، فإن التكامل الخليجي في هذا المجال سيمنح المنطقة قدرة أكبر على مواجهة التحديات المشتركة وبناء درع رقمي موحد يحمي المصالح الوطنية والجماعية على حد سواء.
وفي الختام، فإن مواجهة التهديدات السيبرانية في السنوات القادمة تتطلب رؤية خليجية موحدة وتعاوناً فعّالاً يقوم على تبادل المعلومات، وتوحيد الجهود التشريعية والتقنية، والاستثمار في الكوادر الوطنية المؤهلة. فالأمن السيبراني لم يعد مسألة تقنية فحسب، بل أصبح قضية سيادية وأمنية تمسّ استقرار المنطقة ومستقبلها الرقمي، ولا يمكن ضمانه إلا من خلال شراكة خليجية متكاملة تحفظ الأمن والازدهار للجميع.
** **
- كاتب كويتي