د. محمد بن إبراهيم الملحم
استمراراً للحديث عن تقرير تاليس TALIS حول التعليم في السعودية والذي صدر قبل أسبوعين أشير اليوم إلى ملمح مهم حول علاقته باختبار بيزا PISA فكلاهما يتممان بعضهما؛ إذ يجرى الاختبار والدراسة لنفس الفئة العمرية بواسطة نفس المنظمة OECD ولنفس الغرض وهو تقديم معلومات للدول لتطوير تعليمها، ففي 2013 أجرت الـOECD مشروع TALIS-PISA Link، بهدف ربط بيانات TALIS ببيانات نتائج PISA للطلاب في المدارس نفسها وذلك لتحليل العلاقات بين ممارسات التدريس كما توضحها تاليس TALIS ونتائج التعلّم التي توضحها بيزا PISA، وكانت النتيجة أنه لا يوجد ربط سببي مباشر ولكن وجدت إشارات إلى أن الإكثار من ممارسات التنشيط المعرفي في التدريس يرتبط بنتائج تعلم أفضل عمومًا، بينما التدريس بالتعلّم النشط كان متغير الأثر من بلد لآخر، والتعليم الموجَّه لم يكن إيجابيًا على الدوام بل أحيانا كان سلبيا، والبارز أن التأثيرات الإيجابية كانت أقوى أثرا في المدارس ذات الخلفية الاجتماعية والاقتصادية الأعلى.
واليوم نتناول تقرير السعودية الأخير 2025 بمزيد من التحليل، فبحسب نتائج اختبار بيزا PISA فإنه بين 2018 و2022 كان هناك شبه ثبات في نتائج العلوم خاصة في مهارات الحد الأدنى مع انخفاض في القراءة سواء في النتائج العامة (نزول 17 نقطة) أو في مهارات إتقان الحد الأدنى حيث انخفضت القراءة بنسبة 11 % وهناك تحسن نسبي في الرياضيات في كل من النتائج العامة (+16 نقطة) ومهارات الحد الأدنة (+3 %) وعلى العموم فجميع النتائج كلها دون متوسط OECD، وفي دراسة تاليسTALIS ذكر المعلمون أنهم يمارسون في التدريس مهاما تتطلب تفكيرًا نقديًا/ تنشيطًا معرفيًا بنسبة كبيرة مقارنة بما ذكروه في دورة 2018 (وكانت الزيادة من أعلى الزيادات عالميًا؛ +10 نقاط مئوية أو أكثر). كما أن 90 % من المعلمين يرون أن التطوير المهني الذي شاركوا فيه كان له أثر إيجابي على تدريسهم وهو أيضا أعلى بكثير من متوسط OECD، وهذه التصريحات من المعلمين تناقض نتائج بيزا المذكورة أعلاه، فالمهام التي تُنشّط التفكير كما قالوا، واستفادة الغالبية العظمى منهم (90 %) من دورات التطوير المهني يتوقع معه ارتفاع واضح في نتائج بيزا PISA الأخيرة 2022، بينما الواقع خلاف ذلك كما ذكرنا آنفا.
وقد يفسر ذلك بأن التحوّل في هذه الممارسات التي ذكرها المعلمون حديث نسبيًا، ولم يترسّخ بعد عبر النظام، أو لم يصل لعمقٍ كافٍ أو لجميع الصفوف، ولكن إذا استمرت مثل هذه النتيجة إلى الدورة القادمة لـ(بيزا 2029) فهو يعني أحد أمرين: الأول أنه لا توجد وسائل متابعة فعالة في النظام لتحقيق الاستثمار الأمثل لما يقدمه من تدريب وتطوير مهني للمعلمين لأفضل الممارسات بحيث يضمن تطبيقها في أرض الواقع، والثاني هو أن استجابات المعلمين لأسئلة الدراسة فيها نسبة عالية من المجاملة والظهور بالمظهر اللائق، وهو مرض ينتشر نتيجة لقلة الوعي بأهمية الدراسة ودورها في التطوير والتحسين، أو لاعتقاد أن نتائج الدراسة قد يترتب عليها تكليفات جديدة للمعلمين مستقبلا فيستهدفون في إجابتهم أن يقدموا صورة حسنة ليحافظوا على مساحة الراحة التي ينعمون بها حاليا، وهو مشابه تماما لمرض إعطاء كم كبير من الدرجات للطلاب من خلال الأسئلة السهلة أو التي تم تدريب الطلاب عليها للهروب من التصنيف بالتقصير في إيصال المعرفة وتمكين الطلاب من المهارات اللازمة فيحافظ المعلم على مساحة الراحة وقلة المتابعة للطلاب المتعثرين وتحسين ممارسات التدريس ليتمكنوا من اللحاق بزملائهم وما إلى ذلك مما يجب أن يقوم به المعلم المتقن لعمله.
هناك استدراك لشيء ذكرته في المقالة السابقة حول انخفاض أعداد المعلمات بالنسبة للمعلمين في هذه الدورة عنها في الدورة السابقة ونوهت إلى أن المتوقع هو زيادة المعلمات نظرا لقرار تدريس المعلمات للطلاب الذكور في الصفوف المبكرة من المرحلة الابتدائية فيتوقع مزيدا من التوظيف! ولكن هذا الاستنتاج غير سليم نظرا لأنني بنيته على افتراض أن هذه الأعداد كلية (لكل المراحل) بينما بالمراجعة تبين لي أن المملكة هي من الدول التي قصرت أعداد المعلمين والمعلمات فيها على عينة اختبار بيزا وهي المرحلة المتوسطة وبالتالي فإن تفسير انخفاض أعداد معلمات المرحلة المتوسطة (فقط) سيكون مختلفا عما ذكرته في ذلك المقال ليكون هو أنه انخفاض حدث نتيجة للجوء الجهة التعليمية إلى نقل عدد من معلمات المرحلة المتوسطة إلى المرحلة الابتدائية لمواجهة الاحتياج الجديد الناشئ عن قرار تدريس المعلمات للصفوف الأولية، وهو متوقع جدا لعلمنا أن مدارس البنات عموما فيها وفر معلمات تاريخي مقارنة بمدارس الأولاد.