فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
نعم، أنا سعودي وشبابي أفتخر بسعوديتي وأعتز بشبابيتي عشت رياضياً محباً متابعاً وممارساً لها وما زلت. كانت المدرسة، ثم الجامعة وما زالت الحياة هي من أعيش فيها حب الرياضة ومزاولتها.
كتبت مقالا عام 1994م عند تأهل منتخبنا إلى كأس العالم بأمريكا، وكان ذلك بناء على تشرفي بمرافقة أخي وصديقي المغفور له بإذن الله الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب إلى نهائيات كأس العالم بألمانيا عام 1974م وذكرت فيه كيف كان حلم التواجد في كأس العالم الذي عشته منذ عشرين عاماً حينما كان لي شرف المشاركة ضمن بعثة المملكة العربية السعودية لحضور كأس العالم 1974م في ميونخ - ألمانيا التي ترأسها سمو أخي وصديقي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز، كانت تجربة مثيرة عشناها في وجودنا في ذلك المحفل الرياضي الكبير حقاً.
لقد كان محفلاً رياضياً وسياسياً واجتماعياً عالمياً في تلك الصالة التي تبادلنا فيها الأحاديث قبل ذهابنا إلى استاد ميونيخ لمشاهدة المباراة النهائية بين هولندا وألمانيا.
كان الحلم عندما جلست مع أخي وصديقي ومحقق هذا الحلم بعد المباراة النهائية، وبدأنا نعكس انطباعاتنا عن تجربة هذا اليوم التاريخي وخصوصاً لمضيفينا في تلك النهائيات بعد فوزهم، ولنا كضيوف شرف على هذا المحفل. في تلك الجلسة كان حلم الأمل والتساؤل: يا ترى متى سيكون لنا أن نحل على هذا المحفل ليس كضيوف شرف، ولكن كمشاركين فعلياً في هذا التجمع الرياضي العالمي؟
عشرون عاماً مرت ورأينا الحلم يتحقق، رأيت نفس النظرات في عيون محقق هذا الحلم من خلال التلفاز وهو يتابع الحدث الذي صنعه بالعمل والصبر والحكمة والتفاني والتخطيط، رأيت نفس النظرات الواثقة في الله ثم المليك والوطن تحمل راية التوحيد إلى العالمية والمنافسة على أرقى المستويات.
عشرون عاماً مرت ورأينا الولايات المتحدة الأمريكية تحتضن كأس العالم 1994م بعد تخطيط طويل المدى كان يقوم به الدكتور هنري كيسنجر رئيس الاتحاد الأمريكي لكرة القدم في ذلك الوقت الذي قال لنا: (أعدكم بأنني سوف أحضر كأس العالم، ويكون لنا تحقيق الحلم وشرف المشاركة الفعلية فيه).
عشرون عاماً مرت ورأينا هولندا التي كانت تحلم بكأس العالم آنذاك تلعب مباراتها الأولى أمام منتخبنا منتخب الحلم، ويقف العالم وتقف هولندا أمام الحلم، بل أمام كابوس يجثم عليها إلى أن حققت التعادل، وهي لا تصدق! وكاد التعادل العادل أن يكون لولا فارق الخبرة التي أسعفتهم تحقق الحلم بعد عشرين عاماً. وكشفت أسراره أمام العالم أجمع بأن لا مستحيل مع الإيمان بالرسالة، ولا مستحيل مع التخطيط الصحيح والثابت، ولا مستحيل مع روح التفاني والإخلاص للهدف السامي.
عشرون عاماً مرت منذ بداية التخطيط لتحقيق هذا الحلم من الملاعب الترابية إلى الملاعب العشبية. ومن المنشآت العادية إلى المنشآت الحديثة المميزة، من الدورات المحلية إلى الدورات الإقليمية والقارية. من المدربين العاديين إلى المدربين الفطاحل، من التركيز على المنتخب الأول إلى الاهتمام بقاعدة منتخبات الناشئين والشباب، من الاهتمام بالمهارات الفردية فقط إلى الوعي ومتابعة اللياقة والتغذية، من الإدارات البدائية والفردية في الأندية إلى الإدارات المتطورة والجماعية، وأخيراً وليس آخراً من مسار الهواة إلى بداية طريق الاحتراف، ومن التغطية الإعلامية البسيطة المجاملة إلى لغة الأرقام والإحصائيات والنقد الصادق والتغطية العالمية المتطورة.
نعم، عشرون عاماً مرت وها نحن نرى النتائج... والنتائج. فقد تطور الفرد السعودي وهو الأساس، وتطور اللاعب السعودي، ولم يأت هذا من فراغ.. فقد تبنت الخطة الحكيمة منذ أواخر السبعينات الاهتمام بالشباب. وأمنت الإمكانات لبناء البنية الأساسية التي تحوي وتؤمن وتقدم للشباب السعودي جميع المتطلبات لبناء الإنسان الحديث المتطور. وقد أوجدت الإعانات المادية والمعنوية من حكومتنا الواعية والقائمين عليها بالعطاء وبسخاء للإيمان بالرسالة والهدف، فلابد أن نعطي لكي نأخذ، وألا نتردد إذا كنا نؤمن بالغاية العالية برفعة الوطن والمواطن، فها نحن بعد عشرين عاماً نبهر أنفسنا قبل العالم، ويجب ألا ننبهر لو انبهر العالم بنا ولو لم تصدق ما قدمناه للعالم من خلال (فرسان الجزيرة الخضر) فذلك يعود لقصر الوقت الذي يمر علينا لتحقيق الحلم. عشرون عاماً ليست بالوقت الطويل في عمر الأمم وأجيالها وبنائها، ولكن ها نحن أمام العالم والعالم أمامنا. وبما أننا جزء من ذلك الكيان الدولي فلابد لنا أن نبدأ طريق العالمية بعد ما تحقق الحلم الذي يعكس الحقيقة واقعاً مشاهداً، وكذلك يعكس الإيمان بإمكاناتنا ومكانتنا. ويجب أن نتكلم لغة العصر بلهجتنا المؤمنة بعقيدتنا، مستفيدين من التجارب التي سبقتنا، والمستوى الذي أوجد الخبرة الطويلة والإمكانات التكتيكية واللياقة والانضباطية في عالم الاحتراف الغربي.
ويجب أن نذهب إليهم، بل يجب أن نذهب إلى أبعد من ذلك بتشجيع لاعبينا على الالتحاق حتى ولو بفرق الدرجة الثانية في دول لديها دوري متطور واحترافي، وبذلك ندعم المستقبل بخبرة أولئك الشباب ليحسوا بمعنى الغربة والاحتراف والانضباط، ونعطي الفرصة للبديل محلياً لكي يحل محل من احترف خارجياً، وندعم الخبرة بالشباب. كذلك يجب أن تبدأ الأندية السعودية بتطبيق الاحتراف الإداري، وأعني بذلك أن النادي يُدار كمؤسسة تجارية أو كشركة مساهمة يملك المواطن فيها ما تكرمت به عليه حكومته؛ لأن الدولة أوجدت الأساس ثم أعطت وحان الوقت بأن تعطي الأندية معتمدة بعد الله على إدارتها وإمكاناتها.
نعم، بعد ثلاثين عاماً أعود كسعودي لا زال شبابياً، بالرغم من عدم رضاه إلى ما وصلت إليه أوضاع (شيخ الأندية)، وكذا أوضاع منتخبنا. لكن الأهم الآن هو مباركتنا لقيادتنا الرشيدة، ولمسؤولي الرياضة، ولشبابنا لاعبي منتخبنا بالتأهل إلى كأس العالم 26 عائدين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
حاولت استعادة الماضي والتركيز على ما كنا نطمح إليه، وما مرت به كرة قدمنا تاريخاً ومسيرة، واليوم وعلى المعطيات والنتائج التي نلاحظها ويعيشها منتخبنا الوطني، بالرغم من التطور الكبير والمكانة العالمية التي تحظى بها سمعة كرتنا السعودية، والاستثمارات الهائلة في البنى التحتية واللاعب المحترف الأجنبي، والخبرات الإدارية الأجنبية، نجد أن هناك فجوة أو فراغاً يجب أن يملأه اللاعب السعودي المحترف، وأن توسع دائرة مشاركته مع فريقه ليحظى بأكبر عدد من الدقائق. كما أن ذلك لن يتحقق إلا إذا كان هناك نظام يفرض عدد اللاعبين الأجانب المشاركين في مباريات الدوري، ليتسنى لمشاركة -على الأقل- ستة لاعبين سعوديين في المباراة، كما أن المناصب التي يملؤها الخبير الأجنبي يجب أن يكون فيها منصب للسعودي ملازم ليكتسب
الخبرة والتجربة.
في الختام هي ذكريات وآمال من مواطن كل ما يتمناه ويرجوه ويتطلع إليه -ونحن نعيش رؤية مباركة لمستقبل شباب الوطن بدعم سخي من قيادتنا الرشيدة- أن نرى رياضتنا السعودية تأخذ مكانتها التي تستحقها بين الأمم، وأن يوفق منتخبنا في كأس العالم 2026 ليخطو أبعد مما حققه في كأس العالم 1994.