يزن حبيبي
في هذا العصر، أصبح الهدوء عملة نادرة.
كل شيء يركض من حولنا؛ الأخبار، الأصوات، الإشعارات، وحتى اللحظات التي كانت تمنحنا مساحة للتأمل، نخاف الصمت أحيانًا، ونبحث عن صوتٍ يملأ الفراغ، فنزداد ابتعادًا عن أنفسنا دون أن نشعر.
الهدوء حضورٌ صافٍ للروح، ومساحة نلتقط فيها أنفاسنا ونستمع إلى داخلنا بعد طول انشغال، في لحظات السكون يتضح الطريق، وتعود الأمور إلى مقاسها الطبيعي. فكرة صغيرة قد تولد من سكونٍ بسيط، وقرار حكيم قد يخرج من لحظة تأملٍ صادقة.
كان الناس يجدون الهدوء في الأمسيات الهادئة، في قراءة كتاب، أو في سيرٍ على شاطئٍ ساكن، أو تحت ضوء القمر حين تتنفس الأرض بسلام، أما اليوم، فقد صار الهدوء رفاهية تُطلب بعد ازدحامٍ طويل، وغاية يسعى إليها من ضاع بين ضجيج الأجهزة والمهام المتلاحقة.
الهدوء لا يعني الانسحاب من الحياة، إنما العيش بوعيٍ واتزان من يحافظ على سكونه يعرف متى يتحدث، ومتى يصغي، ومتى يمضي دون صراع، الهدوء قوة خفية تمنح صاحبها وضوحًا وسط الفوضى، وتجعل قلبه ثابتًا في مواجهة الضجيج.
في عالم مزدحم بالأصوات والمهام، يصبح الهدوء اختيارًا واعيًا، وفعل مقاومة صامت، من يمتلك سكونه يربط بين لحظاته، يرى الحياة بوضوح، ويعيش كل تجربة بعمق أكبر، لتصبح اللحظات الصغيرة ثروات روحية لا يقدر عليها إلا من يعرف قيمة الصمت.