محمد المقهوي
منذ العاشر من أكتوبرِ الحالي، وبمبادرةٍ أمريكيةٍ، وحربُ إسرائيل على غزة منتهيةٌ - إلا أننا لم نشهد توقّفًا فعليًّا للحرب نهائيًّا؛ حيثُ الخروقاتُ الإسرائيليةُ كانت من الساعاتِ الأولى لإعلانِ توقّفِ الحرب. وهذا الأمرُ لا يُثيرُ استغرابَ المتابعين، وبالأخصِّ المهتمّينَ بالشأنِ السياسيّ، حيثُ الكثيرُ يعلم بأنّ سياساتِ الكيانِ المحتلّ مبنيّةٌ على التضليلِ والخداع، وليست مبنيّةً على المنطقِ والاستراتيجياتِ الحكيمة.
خذْ مثالًا على ذلك: التاسعُ من سبتمبرَ الحاليّ، حين وجّهَ الكيانُ ضرباتٍ عدوانيةً على الجارةِ دولةِ قطر - هذه الضربةُ الجبانةُ مرفوضةٌ وفقًا لجميعِ الأعرافِ، سواءً الدبلوماسيةِ أو الأخلاقيةِ - وتلتها استنكاراتٌ دوليةٌ حاصرتِ الكيانَ؛ وكان يفترضُ أن تُحرِجَه، غير أنّ هذا الكيانَ مُفرَّغٌ من الصفاتِ البشرية.
راجعْ التعليقَ الرسميّ من خطابِ رئيسِ وزراءِ الكيانِ؛ وجّهَ رسالةً إلى سموِّ أميرِ دولةِ قطرَ، بدأها بسعالٍ مُصطنَعٍ أعقبه اعتذارٌ، وبعدها سردٌ لأحداثِ ضربتِه المسعورةِ. جليٌّ للمشاهدِ أنّ الاعتذارَ كان لسُعَالِه، وليس للضربةِ نفسها! وبهذا نتبيّنُ حجمَ اللاّ منطق لدى هذا الكيانِ، حيثُ بلغت به الجَاحَةُ أن يقومَ رئيسُ وزرائهِ بالاصطناعِ سُعالٍ ليعتذرَ عليه، حتى يُوَهِمَ المشاهدَ بأنّه يعتذرُ عن الضربةِ!
وعلى الرغمِ من أنّه لو اعتذرَ فعليًّا عن هجومِه غيرِ المبرَّرِ على قطرَ، لَعَلِمَ الجميعُ أنّ اعتذارهُ نفاقٌ سياسيّ -ما هو إلّا سياسيّ- إلا أنّه لم يستطِعْ حتى تَصَنُّعَ الندمِ أو الاعتذارِ، لأنّه خريجُ مدرسةٍ تُعلِّمُ طلابَها الخروجَ من الصفاتِ البشرية والتخلّي عن المنطقِ في سبيلِ تحقيقِ دولتهم الموعودةِ.
وبسببِ عدمِ وجودِ المنطقِ أو الاستراتيجياتِ لديهم، نراهم خلالَ عامِ 2025 فقط قد أنفَقوا مبلغَ 25 مليون دولار لجهاتٍ إعلاميّةٍ بهدفِ تلميعِ صورةِ الدولةِ المحتلّةِ وتبريرِ أفعالِهم؛ ناهيكَ عن الملايينِ الأخرى التي تمَّ صرفُها للإعلامِ داخلَ دولةِ الاحتلالِ للتحكّمِ بالرأيِ العامِّ بين مواطنيهم. وهذا دليلٌ واضحٌ على التخبّطِ الناتجِ عن غيابِ القراراتِ المدروسةِ؛ إنّما تصرّفاتٌ غيرُ منطقيةٍ، خارجَ الاستراتيجياتِ السياسيةِ والحربيةِ، تنتجُ عنها أخطاءٌ كارثيةٌ تتبعُها ملايينُ الدولاراتِ للترقيعِ الإعلاميّ.
وبهذا المنوالِ نصلُ إلى نتيجةٍ مفادُها أنّ توقّفَ الحربِ ما هو إلّا حلٌّ تلميعيٌّ للتغاضي عن المجازرِ التي ارتكبها الكيانُ، ومسألةُ الرهائنِ التي أثارت الرأيّ العامّ في الداخلِ المحتلِّ؛ وأنّ التوقّفَ ليس حقيقيًّا، وأنّ العدوانَ الإسرائيليّ لم يتوقّف لا في العاشرِ من أكتوبرَ، ولا قبله، ولا بعدَه. والحربُ ما زالت مستمرةً، إنّما بترقيعاتٍ إعلاميةٍ لتخفيفِ الأضواءِ عن الكيانِ. والمتوقَّعُ أنّ الأيامَ القادمةَ تُخَبِّئُ مفاجآتٍ قادمةً. نَبْتَهِلُ إلى اللهِ تعالى أن يحفظَ الشعبَ الفلسطينيَّ والأمّةَ العربيةَ والإسلاميةَ منها، وأن يجعلَ كيدَهم في نُحورِهم.
ولكن علينا أن نكونَ واعينَ لجميعِ مؤامراتِهم ومساعيهم في إثارةِ الفتنِ بينَ الشعوبِ العربيةِ والإسلاميةِ. في الفترةِ الراهنةِ هم يسخرون معظمَ إمكانيّاتهم للإعلامِ، وبذلك نرى تزايدَ الشائعاتِ حول حربٍ مقبلةٍ مع إيران، وأحيانًا حولَ ضربةٍ متوقَّعةٍ على دولةٍ خليجيةٍ؛ يَليها تصريحاتٌ رسميةٌ بعدم وجودِ نيةٍ للدخولِ في حربٍ مع إيران، وعدمُ وجودِ داعٍ لتوجيهِ ضرباتٍ لأيّ دولةٍ خليجيةٍ. غيرَ أنّنا نعلمُ بأنّ هذه التصريحاتَ، وما يسبقُها وما يليها من تحريكٍ للماكينةِ الإعلاميةِ، ما هو إلّا لعبةٌ سياسيةٌ للتّوريةِ على ما سبق أو ما هو قادمٌ، وليس هناك أيُّ أمرٍ مستبعدٍ فيما يخصّ هذا الكيانَ.
وعلينا نحنُ كأمّةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ أن نكونَ على القدرِ الكافي من الوعيِ والإرادةِ والقوّةِ لمواجهتِه في حالِ قرّرَ التجاوزَ مجدّدًا، وألا ننتظره يسعَلُ حتى يعتذرَ من سُعَالِه.