د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تحتضن الرياض النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار من 27-30 أكتوبر 2025 بحضور قادة 20 دولة وهي سابقة في تاريخ المبادرة إذ لم يشارك في المؤتمر في السابق سوى ثلاثة قادة كحد أقصى، وعلى رأسهم نائب الرئيس الصيني، إلى جانب قادة الأردن والعراق وباكستان وسوريا وموريتانيا وألبانيا وبنغلاديش وكوبا ورواندا وغيرها، أي أن الجنوب العالمي سيكون حاضرا بقوة في الرياض، يدل على الأهمية المتزايدة التي يكتسبها هذا المؤتمر عاما بعد عام، إلى جانب حضور أكثر من ثمانية آلاف مشارك منهم 40 مسؤولا بمنصب وزير، و600 متحدث يمثلون حكومات وشركات كبرى، الذي يعد المنتدى أحد أبرز الملتقيات الاقتصادية العالمية بحضور غير مسبوق تؤكد على مكانة السعودية كمركز محوري للحوار حول الاقتصاد العالمي والمستقبل التكنولوجي.
تمثل مبادرة مستقبل الاستثمار منصة رفيعة المستوى تجمع قادة الحكومات، وصناع القرار في المؤسسات المالية وفي كبرى الشركات العالمية لبحث القضايا الاقتصادية الكبرى التي تناقش التحديات المستقبلية من التمويل المستدام إلى الذكاء الاصطناعي وتحول الطاقة، والمؤتمر أصبح وجهة المستثمرين الذين يبحثون عن الفرص والشراكات ذات الأثر الفعلي، لتحويل الرؤى إلى استراتيجيات عملية تشكل مستقبل الاستثمار.
سيشهد اليوم الثالث من المؤتمر، أطلق عليه بيوم الاستثمار، مشاركة نوعية من مديري صناديق تدير أصولا تتجاوز قيمتها الإجمالية 100 تريليون دولار، وهو ما يدل على أن السعودية باتت المكان الأمثل بفضل تحقيق رؤيتها نتائج باهرة من أجل التواصل وطرح الأفكار والمبادرات المستقبلية، ويتوقع أن تتجاوز الصفقات 60 مليار دولار، وتأكيد 40 صفقة واتفاقية جديدة خلال المؤتمر، ومنذ انطلاق المؤتمر في 2017 تم توقيع عقود استثمارية فعلية بقيمة تفوق 200 مليار دولار في مجالات تشمل الذكاء الاصطناعي، الطاقة النظيفة، النقل، الخدمات اللوجستية، والتمويل، وفي نسخة 2024 تجاوزت قيمة الاتفاقيات 60 مليار دولار.
تتجه الأنظار هذا العام إلى قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الذي أصبح القوة الصاعدة بعدما كان قطاع المال يهيمن بنسبة 70% في الدورات السابقة، خصوصا وأن المؤتمر يجمع نخبة من قادة التكنولوجيا العالميين، بينهم جوجل ومايكروسوفت وإنفيديا إلى جانب شركات ناشئة تدعم الابتكار عبر استثمارات أولية وتسريع النمو، بالتزامن مع إطلاق النسخة الرابعة من تقرير Priority Compass الذي يصدره المعهد سنويا لرصد توجهات الاقتصاد العالمي وأولويات التنمية والاستثمار.
نجحت السعودية في تحقيق هدف الاستثمار ضمن رؤية 2030 حيث وصل معدل الاستثمار إلى 30% من الناتج المحلي في 2024، مرتفعة من 22% قبل خمس سنوات، وأصبحت تمثل 1.3 تريليون ريال مقابل 650 مليار ريال في 2019، أغلب هذه الاستثمارات مصدرها القطاع الخاص التي ارتفعت من مساهمة 60% إلى 76%، مع تضاعف الاستثمار الأجنبي المباشر أربع مرات، وحققت أكثر من 40% من مستهدفاتها الكمية قبل المدة المحددة، وتم استقطاب 670 مقرا إقليميا لشركات عالمية، هذه المؤشرات تعكس الثقة الدولية المتزايدة في الاقتصاد السعودي، وتؤكد ان مستهدفات رؤية 2030 تسير في المسار الصحيح.
منذ انعقاد هذا المؤتمر في 2017 الذي يسمى بدافوس الصحراء ووفق استعراض أتياس رئيس المؤتمر حول نبوءة التحول الكبير وتزايد نفوذ الشرق، وصولا إلى موضوع هذا العام مفتاح الازدهار، فنسخة عام 2020 كانت تحت شعار المرونة والنهضة الجديدة أطلقت دعوات للاستثمار في الإنسانية والرعاية الصحية والتعليم، خاصة بعد ان كشف الوباء عن حرمان العديد من الأطفال من التعليم لعدم توفر أجهزة الكمبيوتر أو الكهرباء، مؤتمر هذا العام يناقش المفارقات التي تنشا عن الاتجاهات العالمية الثلاثة الحالية التقدم والنمو والابتكار والتجزئة العالمية، وأكد أتياس أن الرياض أصبحت مركز العالم للحوار والاستثمار.
سيركز المؤتمر على التحديات التي تعيق التقدم من خلال استعراض تناقضات الابتكار وستناقش الجلسات كيف يدفع التطورات في التقنية والسياسات عجلة النمو، وكيف تتيح طفرات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة فرصا جديدة، إضافة إلى تأثير التوترات الجيوسياسية وتفاوت الموارد على التواصل العالمي.
وستركز الجلسات على مناقشة موضوعات حيوية مثل تأثير الذكاء الاصطناعي والروبوتات على الإنتاجية، وتكوين الثروة في ظل تزايد عدم المساواة، والآثار الجيوقتصادية لندرة الموارد، والتحولات الديمغرافية التي تعيد تشكيل القوى العاملة المستقبلية إلى جانب إستراتيجيات تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى بمكة