د.عبدالرحيم محمود جاموس
تنطلق في العاصمة السعودية الرياض اليوم الاثنين 27-10-2025 فعاليات النسخة التاسعة من مؤتمر الاستثمار والازدهار، بمشاركة واسعة من ممثلي الدول العربية والأجنبية، ومن بينها دولة فلسطين، إلى جانب نخبة من الوزراء، ورجال الأعمال، وخبراء الاقتصاد، وممثلي القطاعين العام والخاص، الذين يجتمعون على منصة واحدة لرسم ملامح مرحلة اقتصادية جديدة، تتكامل فيها رؤى الاستثمار والتنمية المستدامة مع متطلبات التحول العالمي في مجالات المعلوماتية والطاقة والتقنيات الحديثة.
يأتي هذا المؤتمر في مرحلة دقيقة من التحولات الاقتصادية والسياسية العالمية، حيث تشهد المنطقة والعالم سباقًا محمومًا نحو تعزيز الشراكات العابرة للحدود، وتنويع مصادر الدخل، وتحقيق التحول نحو الاقتصاد المعرفي القائم على الابتكار والتكنولوجيا. وتبرز المملكة العربية السعودية في هذا السياق كقوة دافعة في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، بفضل رؤية 2030 التي جعلت من الاستثمار في الإنسان، والتقنية، والطاقة النظيفة، والقطاع الخاص، ركائز أساسية للنمو الشامل.
ولعل ما يمنح المؤتمر هذا العام أهمية استثنائية هو اتساع أجندته ومحاوره المتنوعة، إذ سيتناول قضايا الاستثمار في الطاقة المتجددة، والمعلوماتية، والذكاء الاصطناعي، والابتكار الصناعي، والتمويل المستدام، إضافة إلى إطلاق مبادرات جديدة لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي والدولي، ويتوقع أن يشهد المؤتمر توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين حكومات ومؤسسات وشركات كبرى، بما يفتح آفاقًا جديدة أمام التعاون في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة الخضراء.
أما على الصعيد العربي والفلسطيني تحديدًا، فإن مشاركة دولة فلسطين في هذا الحدث الدولي تمثل فرصة لتعزيز حضورها في المشهد الاقتصادي الإقليمي، ولجذب الاستثمارات إلى القطاعات الإنتاجية الفلسطينية التي تحتاج إلى دعم وتمويل، خصوصًا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني تحت الاحتلال.
ويأتي حضور دولة رئيس الوزراء الفلسطيني ليؤكد رغبة القيادة الفلسطينية في بناء شراكات استراتيجية تسهم في تنمية الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص العمل، وتطوير البنية التحتية، واستثمار الطاقات البشرية الفلسطينية المبدعة في مجالات التكنولوجيا وريادة الأعمال.
كذلك، فإن هذا المؤتمر يمثل جسرًا للتكامل بين الاقتصاد والسياسة، إذ يعزز مفهوم الأمن الاقتصادي كرافعة للاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة، ويعيد صياغة مفهوم التنمية من زاويته الأشمل التي تربط الازدهار الاقتصادي بالكرامة الإنسانية والسيادة الوطنية.
فكل استثمار ناجح اليوم لا يقاس فقط بالعائد المالي، بل بقدرته على خلق فرص مستدامة للإنسان، وعلى توسيع قاعدة الشراكة في بناء المستقبل، بعيدًا عن التبعية والارتهان للمساعدات الظرفية.
إن ما يميز مؤتمر الاستثمار والازدهار في نسخته التاسعة هو قدرته على الجمع بين الرؤية والطموح، بين التحليل الاقتصادي العميق والتطبيق العملي الواقعي، وبين الطموحات المحلية والامتدادات الدولية.
فمن الرياض، تنطلق رسالة واضحة إلى العالم بأن المنطقة العربية لم تعد متلقية للتغيرات العالمية، بل شريك فاعل في صنعها، تسعى إلى أن يكون اقتصادها قائمًا على الكفاءة والتنافسية والابتكار، لا على الريع والاستهلاك.
وبذلك، فإن نتائج هذا المؤتمر المرتقبة لن تقتصر على توقيع الاتفاقيات الاستثمارية فحسب، بل ستشكل خارطة طريق جديدة نحو اقتصاد أكثر توازنًا وعدلًا وازدهارًا، يعيد الاعتبار للشراكة الإقليمية والعربية، ويمنح القضية الفلسطينية بُعدها الاقتصادي والإنساني الحقيقي كجزء من معركة البقاء والتنمية والتحرر.
إننا أمام حدث اقتصادي استراتيجي، تتقاطع فيه المصالح والطموحات والرؤى، ليشكل منصة فكرية وتنموية تسعى إلى تحويل التحديات إلى فرص، وتعزيز حضور المنطقة في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي لا مكان فيه للمترددين أو المنعزلين عن مسار التطور.
ومن الرياض، عاصمة القرار الاقتصادي والسياسي العربي المعاصر، تتجدد الثقة بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأجدر، وأن الازدهار لا يصنعه رأس المال وحده، بل تصنعه الإرادة والرؤية والشراكة.