د.شريف بن محمد الأتربي
دعيت من قبل السفارة الفنلندية بالرياض لحضور حفل استقبال لحشد من الشخصيات التعليمية القادمة للمملكة للمساهمة في نقل التجربة الفنلندية في التعليم إلى المجتمع التعليمي السعودي، وهناك، وفي خضم حديث تعليمي شيق، طُرحت قضية التعليم، وهل هو وسيلة أم غاية، وكعادتي دائما حين تثار القضايا التعليمية، شمرت عن علمي ومعرفتي وكوني تعليمي مهني سابق، وأردفت في الحديث مثنيا على هذه الدعوة الكريمة أولا، ثم مفردا لأهمية النظر للتعليم لكونه وسيلة وليس غاية، وكان مما ذكرته للحضور:
يعد التعليم وسيلة وليس غاية، فكل المجتمعات التي تضع أهدافا وخططا استراتيجية لها، تعتبر التعليم جزءا لا يتجزأ من هذه الأهداف والخطط، حيث تعول عليه إمداد الدولة بأفراد قادرين على قيادة الدولة، وتحقيق تطلعات المجتمع، ولكن من المحزن أن التعليم أصبح حاليا هو الهدف والغاية النهائية للأفراد، حيث أصبحت الشهادة هي المطلب وليست هي المعبر للانخراط في الحياة العملية.
يبرز التعليم كإحدى الركائز الأساسية التي تدعم بناء المجتمعات وتطوير الأفراد خاصة في عصر تتسارع فيه التغيرات، وتتعقد فيه التحديات التي تواجه المجتمعات، سواء أكانت هذه التحديات داخلية أو خارجية، فهي تمثل عقبات أمام تحقيق مستهدفات الدولة، لذا يجب أن تكون الرؤية للتعليم أكثر عمقا بحيث تعكس الفهم العميق لدور التعليم في تشكيل مستقبل المجتمعات وتوجيهها نحو التنمية المستدامة طبقا لما جاء في تقرير «اليونسكو»، حيث يُعتبر التعليم أداة محورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فهو يعزز من قدرة الأفراد على المساهمة في الاقتصاد، مما يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة وتقليل الفقر، ويشير التقرير أيضا إلى أن الدول التي تستثمر في التعليم تُسجل معدلات نمو اقتصادي أعلى، حيث يُسهم التعليم في تطوير المهارات اللازمة لسوق العمل المتغير بسرعة نتيجة التغيرات التقنية الفائقة السرعة.
إن التعليم هو الوسيلة الرئيسية لتأهيل القوى العاملة، حيث يمد الأجيال الجديدة بالمعرفة والمهارات اللازمة للانخراط في سوق العمل، حيث يشهد العالم تطورًا مستمرًا في التكنولوجيا والابتكار، مما ينعكس بدوره على نوعية المهارات التي يحتاجها هؤلاء الطلبة للتأقلم مع سوق العمل، لذا فإن أنظمة التعليم يجب أن تتكيف لتلبية هذه الاحتياجات المتغيرة، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد وتحقيق التقدم، ويُسرع من انخراط الأجيال الجديدة في سوق العمل.
يلعب التعليم دورًا حيويًا في تعزيز العدالة الاجتماعية، فهو وسيلة لتقليص الفجوات بين فئات المجتمع المختلفة، فعندما تتاح الفرص التعليمية للجميع -بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية- فهم يتمكنون من تحسين ظروفهم المعيشية، والمساهمة في بناء مجتمع متماسك، مما يُعزز من قيم التعاون والتفاهم، ويسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. فالتعليم ليس مجرد نقل للمعرفة، بل هو أيضًا وسيلة لغرس القيم الأخلاقية والاجتماعية، فمن خلاله يتعلم أبناء المجتمع كيف يتعاملون مع بعضهم بعضا، وكيف يبنون معا مجتمعا متماسكا قائما على الاحترام والتفاهم.
إن التعليم هو وسيلة الأمم لتحقيق الأهداف المستقبلية، فهو أداة للتمكين، والتغيير الاجتماعي، وتعزيز القيم الإنسانية، فبدون التعليم الموجه لن نستطيع بناء مجتمعات قوية ومستدامة، لذا يجب على القائمين على التعليم؛ بل وعلى كافة أفراد المجتمع أن يتخلوا عن فكرة أن التعليم ينتهي بالحصول على الشهادة الدراسية، بل يجب عليهم أن يبثوا في نفوس الطلبة -وهم أبناؤهم أولا- أن الحصول على هذه الشهادة هو بداية الطريق وليس نهايته، وأنها وسيلة لتحويل المسار في الحياة وبناء مستقبل أفضل للجميع.