نجلاء العتيبي
تنقَّلتُ في أرجاء منزلي وأنا أستجلي هدوء المكان، أتمعَّن كلَّ تفصيلٍ وكأنه حديث لم يُسمع من قبلُ، الكرسي الذي يحتضنني عند الصباح، والمائدة التي شهدت حوارًا وصمتًا، والنوافذ التي تسمح بمرور الضوء بطريقة مدروسة، والمصابيح التي تبعثُ نورها على الجدران بقدرٍ محسوبٍ، كلها عناصرُ تتناغم؛ لتخلق إحساسًا بالسكينة الداخلية، كل زاوية هنا تحكي صمتًا مفعمًا بالطمأنينة، وكأنها تحتضن الزمن وتمنحه معنى.
اقتربت من أدواتي اليومية، أمسكت بالملعقة التي تعكس دقة الصانع، وشربت من كوبٍ اعتدت لمسه حتى صار امتدادًا طبيعيًّا ليدي، لم تكن هذه اللحظات استثنائية في ظاهرها، لكنها حملت طيفًا من الصفاء الهادئ الذي ينسج إحساسًا عميقًا بالامتنان، حين يُدرك الإنسان جمال ما يملكه تتحوَّل كل التفاصيل العادية إلى فضاءات من المعنى، ويكتسب اليوم بُعدًا جديدًا لا يحتاج إلى تغييرات كبيرة ليشعر بالارتواء الروحي.
الإنسان حين يأنسُ بما حوله يشعر بالاتساع الداخلي، ليست الجدران أو الأثاث ما يمنح المكان روحًا، وإنما العلاقة الدقيقة بين الفرد وبيئته اليومية، تصبح الأشياء الهادئة رُفقاء للصباح والمساء، وتتحوَّل لحظات الاستخدام المتكررة إلى تجارب عميقة من الانسجام مع الذات.
كل أداة، كل زاوية، كل شعاع ضوءٍ، يشهد على حضور الهدوء الجميل، ويعكس توازنًا لا يُشترى.
تأمَّلت المساحات التي أسيرُ فيها؛ فوجدت أن الاتساع الحقيقي يُقاس بالانتماء لا بالمتر.
البيوت الكبرى قد تضيق، والأماكن الصغيرة قد تتسع بالرضا.
حين يتحقَّق التناغم بين الحاجة والجمال ينبعثُ من كل زاويةٍ حضور منسجم.
الاعتدال هنا حالة مُتقنة من التداخل المتزن بين البساطة والذوق، بين ما نملك وما نحتاج، وبين الامتلاك والاكتفاء؛ ما يجعل المكان ملاذًا حقيقيًّا يعكس صفاء النفس.
بعد جولة في زوايا المنزل اجتاحني شعورٌ عميقٌ بالامتنان، ليس للوفرة، وإنما للإدراك الواعي لما أملكه، شكرتُ الله على القدرة، على الحركة والاختيار، وعلى التفاصيل اليومية التي تمنح الحياة سحرها الصامت.
إن جمال المألوف ليس في الابتكار المستمر، وإنما في الاكتشاف الدائم لعمقِ ما نراه كل يومٍ.
هكذا تعلَّمتُ درسًا في بيتي: أن العيش الحقيقي لا يُقاس بما يحيط بنا من جدران وأثاث، وإنما باتساع الروح، وعمق الوعي.
وأن الغنى لا يُقاس بالكثرة، وإنما بالقدرة على إدراك اللحظة، واستشعار السكينة في كل تفصيل مألوف حولنا.
ضوء
«إن الامتنان للأشياء مهما صغُرت سيجلب البهجة إلى قلوبنا، ويجعلنا نحبُّ الناس والحياة».
- مهدي الموسوي