عبدالعزيز صالح الصالح
منذ القدم والنَّاس يعشقون هذه الشجرة المباركة التي تتحلى بثمارها الجميلة وعسبانها الطويلة وسيقانها المستديرة التي يلتف حولها الليف والكرب - حيث إن هذه النخلة الشامخة ضارية جذورها عبر أزمنة بعيدة تدور حولها أساطير ورموز لا تخلو من المحبة والطرافة والحلاوة.
وقد حظيت تلك النخلة بالتكريم، وتحدثت عنها العقائد والديانات السماوية، ووصفتها كتب التاريخ والتراث، وتناولها الشعراء في شعرهم.
فقد قال الشاعر الحكيم:
أهذا هو النَّخل ملك الرِّياض
أمير الحقول عروس العزب
طعام الفقير وحلوى الغنى
وزاد المسافر والمغترب
وقال شاعر آخر:
ملك يحمل بشرى
وطيوف الحلم تترى
خاطب النفس بخطف
وتلفت منه أمرا
هدأت ثُمَّ استقرت
عرفت بالوحي سراً
ذلك الصمت الجميل
بوقار النخل أحرى
حملت عبئاً ثقيلا
زين النخل وأغرى
كيف تشكو من عقود
جلبت للنخل خيرا
عجباً تهتزُّ سكري
وبه تختال سحرا
تعزف اللحن طروباً
وبضوع الزهر عطرا
ثم تسمو بنعيم
من ضنى الأرض تعرَّى
فالنخلة من أقدم الأشجار قاطبة، فقد عرفتها شعوب الجزيرة العربية منذ الأزل لما لها من مكانة خاصة عند العرب، وبلا غرور فهي نبتة الرمال والصحاري، وهي أشبه بالمواطن العربي في كافَّة أنحاء المعمورة؛ لأنه وليد الصحاري فطرهما رب العزة والجلال على صفات واحدة من الرقي، بالجلد، والصبر، والتحمل، والسمو، والكرم، والإيثار، والعطاء، والوفاء.
فالنخلة تعتبر من الأشجار المباركة التي اعتمد على خيراتها وثمارها الآباء والأجداد منذ العصور الطويلة حتى عصرنا الحالي، فهي ستظل شجرة نافعاً ومفيدة للأبد ورمزاً للعطاء والوفاء، إنها تنشر ظلالها وتنثر ثمارها وتعطي بدون منَّ أو رجاء، ففيها الغذاء، ومنها الاناء والمسكن والكساء. فقد تناول الشِّعراء هذه الشَّجرة المباركة بصفة خاصَّة، لأنهم يعتبرونها، منبعاً للإلهام الأدبيِّ والشعريِّ ومعظم الشِّعراء رأوا فيها رمزاً للخصب والنماء والجمال والعطاء فقد قال أبو العلاء المعري الشَّاعر الحكيم عن تخيل دجلة بالعراق:
شربنا ماء دجلة خير ماء
وزرنا أشرف الشجر النَّخيلا
ومن أجمل وأعذب ما قيل في الأخلاقيات والنخيل:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً
ترمى بصخر وتعطي يانع التَّمر
ومن خلال ما ذكره الشعراء عن هذه الشجر العظيمة فقد حظيت في كتاب الله الكريم، عبر سبع عشرة سُورة من كتاب الله وعشرين آية من كتاب الله لما لها من منزلة عظيمة وشأن كبير، وضرب بها أروع الأمثال والعبر والحكم، ويقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} سورة البقرة آية (266).
وقال الباري عز وجل: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} سُورة ق آية (10-11).
وقال تعالى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} سورة النحل آية (67).
فقد ورد ذكر النخيل والتمر في أكثر من حديث نبوي شريف - فعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (التمر يذهب الداء ولا داء فيه).
وعن سلمة بنت قيس قالت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر، فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج وليدها حليماً).
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (بيت ليس فيه تمر أهله جياع). فقد تحدثت كتب التاريخ والترات عن نخلة البلح منذ أقدم العصور إلى جانب الرواة في القرى والأرياف والأودية والبوادي والسهول والمرتفعات يتناقلون القصص والاساطير والروايات عن تلك الشجرة المباركة، التي اتحفت الأمة بعطائها الوفير وثمارها التي تحتوي على الكربوهيدرات والدهون والبروتين والأملاح، فكان العرب يتناولون البلح ويعتمدون عليه في الغذاء ولا يتناولون غذاء آخر.
فالبلح غني بمادة الفسفور وهو عنصر أساسي في نمو خلايا المخ والاعصاب والجهاز الهضمي، فهو مهم في عمل وظائف الكليتين للإنسان، ويفيد الأطفال والفتيان والفتيات على نمو أجسامهم ويساعد كبار السن الذين يعانون من قلة السمع. فهو غذاء رئيسي يغني عن الخبز والأرز والنشويات وله فوائد عديدة.
وختاماً.. تعتبر التمور بشكل خاص كونها غذاء وشفاء فهي سوق اقتصادي رائجة ومرموق يساعد على تحسين الميزان التجاري لكل بلد من البلدان، حيث إن المملكة العربيَّة السعودية من أوائل الدول وأهمها في إنتاج التمور بأنواعه المتنوعة في العالم - وتجد تلك الشجرة المباركة عناية واهتماماً كبيرين في أنحاء بلادنا المترامية الأطراف فهي فاتنة الصحراء وعروس الجمال.