محمد الخيبري
في زمن يفرض فيه تراكم المباريات وضغط النتائج تحديات غير مسبوقة على الأندية الكبرى، يبرز اسم المدرب الإيطالي سيموني إنزاغي، المدير الفني لنادي الهلال، كـ مهندس حقيقي للاستقرار الفني والبدني.
إنزاغي، الذي لُقب بشيطان بياتشينزا لقدرته على إيجاد حلول تكتيكية غير متوقعة، لم يأتِ لتدريب الزعيم ليُبهر الجماهير بانتصارات عابرة، بل ليؤسس لمرحلة جديدة من الاستدامة والفعالية بأقل الخسائر الممكنة.
لطالما كان التجانس بين خطوط الفريق هو العلامة الفارقة للمدربين الكبار، وإنزاغي يتقن هذه المعادلة ببراعة. ففي ظل اعتماده على أسلوبه التكتيكي المفضل 3-5-2 (أو مشتقاته)، نجح المدرب الإيطالي في إذابة الفوارق بين اللاعبين النجوم، ليصبح الفريق وحدة متكاملة.
بدأ إنزاغي بإرساء أسس الانضباط الدفاعي، وهي سمة إيطالية أصيلة. هذا التنظيم لا يقتصر على المدافعين فقط، بل يبدأ من تحركات ثنائي الهجوم وكتلة الوسط، مما يقلص المساحات ويجبر الخصوم على الاعتماد على الحلول البعيدة.
لم يكن التجانس وليد الصدفة، بل نتاج قدرة إنزاغي على تكييف خطته مع إمكانيات لاعبي الهلال والخصم. إن تقارب الخطوط يضمن سرعة في التحول من الدفاع إلى الهجوم، مع الاعتماد على الأجنحة (الـWing-backs) لخلق كثافة عددية في مناطق الخصم.
إن العبقرية الحقيقية لإنزاغي تكمن في حنكته الإدارية والفنية لإدارة قائمة نجوم مكتظة بالمواهب. في سباق طويل ومضني يخوض فيه الهلال جبهات متعددة (الدوري، الكأس، ودوري أبطال آسيا)، ظهرت قدرة المدرب على الاستفادة من جميع اللاعبين كبوليصة تأمين ضد الإرهاق والإصابات.
لا يقوم إنزاغي بالتدوير العشوائي، بل يتبع سياسة دقيقة تعتمد على احتساب أهمية كل مباراة وتوزيع الجهد البدني. هذا سمح بإشراك عدد كبير من اللاعبين، مما حافظ على لياقتهم الذهنية والبدنية وأبقى الجميع في حالة جاهزية للمشاركة في أي وقت.
إن توزيع الأحمال والأدوار بين اللاعبين يضمن حصول العناصر الأساسية على فترات استشفاء كافية، مما يقلل بشكل كبير من خطر الإجهاد والإصابات العضلية التي تنهك الفرق المنافسة.
النتيجة النهائية لهذا النهج هي أن الهلال أصبح فريقاً قادراً على كسب اللقاءات بأقل مجهود فني وبأعلى نسبة استدامة، متحولاً من فريق يعتمد على اللحظات الفردية إلى آلة جماعية تعمل بكفاءة عالية، مما يُبشر بموسم استثنائي يرسخ فيه سيموني إنزاغي اسمه كواحد من أفضل المدربين الذين مروا على الكرة السعودية.