أ.د.صالح معيض الغامدي
حضرتُ المحاضرة التي ألقاها الأمين العام لجائزة الملك فيصل الدكتور عبدالعزيز السبيل بعنوان « جائزة الملك فيصل: سيرة لم تروَ» ، بتاريخ 20 ربيع الآخر 1447هـ في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وقد تحدث فيها الدكتور السبيل عن ظروف ولادة الجائزة ونشأتها وتطورها وتجاربها وبرامجها ومشاريعها وأمور وقضايا أخرى كثيرة، ربما يكون بعضها غير معروف للكثير من الحضور، تتعلق بسيرة هذه الجائزة المرموقة ومسيرتها، وقد علق أحد الزملاء بعد انتهاء المحاضرة/ السيرة على عنوان المحاضرة، وبالتحديد على عبارة « سيرة لم تروَ» وقال ما مضمونه: إن سيرة جائزة الملك فيصل سيرة عالمية معروفة وقد كُتب عنها كثيراً، فكيف يقال - مع ذلك، إنها سيرة لم تروَ، والزميل الذي أورد هذا التعليق ربما كان محقاً في ذلك من الزاوية التي نظر منها إلى هذا العنوان، لكن غاب عنه كما ذكرت في مداخلتي على المحاضرة، أن السير التي كُتبت للجائزة من قبل هي سير غيرية من وجهة نظر كتابها، أما ما قدمه الدكتور السبيل فكان سيرة ذاتية لهذه الجائزة كتبت من ذاتها، أقصد من داخلها، (ممثلة في أمينها العام) عن ذاتها، وهذان أمران مختلفان تماماً كما نرى.
وأرجو أن نرى هذا النوع من السير الذاتية للمؤسسات ينتشر ويشيع، فهو مفيد وممتع، ويتعامل مع المؤسسات بوصفها كيانات حية تولد وتنشأ وتتطور باستمرار مثل بني البشر، وتمر بتجارب جميلة وتجارب صعبة، وتقوم من وقت لآخر مثل البشر بمراجعة حياتها أو أدائها، كما يفعل الإنسان عندما يقوم بمراجعة تجاربه الحياتية ومحاسبة نفسه ومحاولة الإصلاح من شأنها، وربما غيّر كثيراً من مسارات حياته، وكذلك تفعل المؤسسات. ولعل قدوتنا في أنسنة المؤسسات وكتابة سيرها الذاتية ما فعله العرب القدامى عندما أنسنوا المدن وكتبوا سيرها الذاتية وكأنها من بني البشر، مثلما فعل الخطيب البغدادي في كتابه « تاريخ بغداد» وابن الخطيب في كتابه « الإحاطة في أخبار غرناطة» وغيرهما كثير.
ولعلي أشير هنا إلى ما يسمى في عالم الجودة هذه الأيام « الدراسة الذاتية « للمؤسسات، التي تعد كتابتها شرطاً أساسياً لنيل شهادة الجودة والاعتماد، فهي بمثابة سير ذاتية تكتبها المؤسسة عن ذاتها بذاتها، ترصد فيها مسيرتها من النشأة إلى وقت اتخاذ القرار بكتابة هذه الدراسة الذاتية، ومراجعة التجارب التي قامت بها المؤسسة، الإيجابية منها والسلبية على حد سواء، واقتراح الإجراءات والبرامج لتطوير جوانب القوة ودعمها وتفادي جوانب الضعف والنقص والقضاء عليها أو التقليل منها. وهذا يشبه إلى حد كبير ما يفعله كاتب السيرة الذاتية الحياتية في كثير من الأحيان.
ولعلي هنا أكتفي بهذا القدر عن السير الذاتية المؤسساتية في هذا المقال القصير، وسأعود إلى طرحه بكثير من التوسع والشمولية قريبا إن شاء الله.