مرفت بخاري
لم يكن حوار فخامة الرئيس أحمد الشرع في الرياض لقاءً استثماريًا أو اقتصاديًا بحتًا، بل كان حوارًا عائليًا رفيع الشأن، حمل في طيّاته ملامح الصفاء والإنسانية والإخوة التي أتت بالمقدمة قبل السياسة.
وبحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أطلّ الرئيس الشرع بعزيمته المعهودة وثباته الذي يعكس صفاء النوايا ورسوخ الرؤية، ليترك انطباعًا بأن مستقبل سوريا يُرسم بالعقل والطمأنينة لا بالشعارات.
كان المشهد في الرياض أبعد من مجرد حضور سياسي، بل لوحة تختصر ملامح مرحلة جديدة تُكتب بوعيٍ واتزان. فالحوار الذي جمع القائدين حمل رسائل تتجاوز البروتوكول، رسائل عن عودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، وعن رغبة مشتركة في بناء جسور الثقة بين دمشق والرياض.
بدت الكلمات متّزنة، تُلامس الواقع دون مبالغة، وتفتح الأفق أمام رؤيةٍ عربيةٍ قوامها المصالحة والازدهار، وكأنّ سوريا تقول للعالم: إننا هنا، بثباتنا وإرادتنا، نُعيد رسم ملامح الغد.
تحدّث فخامة الرئيس أحمد الشرع عن الرياض وكأنه يتحدث عن قلبٍ نابضٍ للأمة، عن مدينةٍ لا تنام على أحلامها بل تستيقظ لتصنعها. وصفها بأنها مفتاح النجاح، وبأنها منارة تُلهم من حولها كيف يُبنى المستقبل بخطى واثقة وعزمٍ لا يلين. لم تكن الرياض بالنسبة له مجرد عاصمة المملكة، بل احتلت في نفسه مكانةً خاصة، فهي المدينة التي أطلق فيها أنفاسه الأولى للحياة، وها هي اليوم تُلهم فخامته لإطلاق رؤيته لدولته الحبيبة.
وفي كلماته عن رؤية المملكة، كان الإعجاب واضحًا، لكنّه لم يكن إعجاب المتفرّج، بل إعجاب الشريك في الحلم. رأى في «رؤية 2030» منهجًا يتجاوز حدود الجغرافيا، رؤيا تمتد لتلامس الأفق العربي كله، حتى بدت ملامحها كأنها خريطة طريق إقليمية يقودها الأمير محمد بن سلمان بثقة القائد وحكمة الرائد.
وفي تلك اللحظة، بدا وكأن الشرع يُخاطب ولي العهد لا بلغة السياسة، بل بلغة تقديرٍ يقرّ بالفضل لمن جعل من الرؤية واقعًا، ومن الحلم نهجًا، ومن السعودية بوابةً لنهضةٍ عربيةٍ شاملة.
ومن أعمق لحظات الحوار، حين سأله المذيع عمّا يراهن عليه لنجاح المرحلة القادمة، أجاب الرئيس أحمد الشرع بلا تردد، وبنبرةٍ يملؤها الإيمان والحب: أُراهن بشعبي.
ذلك الشعب الذي صبر أربعة عشر عامًا من الألم والعذاب، من القهر والحرمان، لكنه لم يفقد إيمانه بوطنه ولا ثقته بأن الغد سيكون له. تحدّث عنه كما يتحدث الأب عن أبنائه، بكل فخرٍ وامتنان، مؤكدًا أن سوريا ستنهض بأيدي أبنائها، لا بوعود الآخرين.
رأى في المستقبل دولةً تقف في مقدمة الدول المصدّرة، لا في صفوف المنتظرين للمعونات. دولة فخورة بثرواتها، بقدراتها، وبشعبها الذي تعلّم من الوجع كيف يصنع المعجزات. وقالها بثقة القائد الذي يعرف أن لديه كنزًا لا يُقدّر بثمن: موارده البشرية، التي إن أُتيح لها الضوء، ستبني وطنين لا وطناً واحداً..
ولم يفت فخامة الرئيس أحمد الشرع أن يُشيد بالشراكات والاستثمارات السعودية التي بدأت تثمر ملامحها في الأفق القريب، مؤكدًا أن التعاون الاقتصادي بين البلدين سيكون ركيزةً أساسية في نهضة المنطقة. كما عبّر عن تقديره للدعم الذي تبديه كلٌّ من قطر والإمارات وتركيا، مشيرًا إلى أن روح الشراكة العربية والإقليمية هي التي ستمنح سوريا دفعة حقيقية نحو التعافي والبناء.
وتوقف الشرع عند إرث الشام العريق، ذاك التاريخ الذي يختزن حضاراتٍ تعاقبت على أرضٍ ما تزال تنبض بالحياة. تحدّث عنها كأرضٍ خُلقت للخصب والنماء، أرضٍ لا تعرف الجفاف في روحها، مؤكدًا أن موقعها الجغرافي الفريد يجعلها بوابةً طبيعية للاستثمارات العقارية والزراعية، ومركزًا اقتصاديًا واعدًا لكل من يرى في المستقبل فرصةً لا حلماً.
في نهاية هذا الحوار، تبقى صورة سوريا واضحة في ذهننا: وطنٌ يحمل في أعماقه تاريخًا عريقًا وشعبًا لا يرضى إلا بالكرامة والإنجاز، ووطنٌ يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تُبنى بالعمل والإرادة قبل الكلمات.
فخامة الرئيس أحمد الشرع، بعزيمته وصفاء نواياه، رسم خلال اللقاء لوحةً من الثقة المتبادلة بين القيادة والشعب، وبين سوريا وجيرانها العرب. وأظهرت كلماته أن الرؤية ليست لحظة عابرة، بل مسار طويل يمتد عبر إرادة وطنية راسخة، واستثمار في الإنسان والأرض والتاريخ.
وبإشادة الشراكات، وبالإرث العريق للشام، وبالشعب الذي ناضل وعرف الصبر، يترك الحوار شعورًا عميقًا: أن سوريا قادمة، ليس كحلم بعيد، بل كحقيقة تصنعها يد أبنائها، وحكمة قادتها، وثقة أصدقائها.