منال الحصيني
عنوان المقال لا يعني عدم رؤية العين بغياب البصر.. ولكنه غياب للرؤية الداخلية وعدم الإدراك لتلك المشاعر والأفكار والكثير من الدوافع هو ذلك الشيء الداخلي الذي يتحرك لا نراه بوضوح يتجلى لنا على هيئة شيء ما لا نعرف سببه غضب مفاجئ، وربما حزن دون مبرر، والكثير من المشاعر المتضاربة التي لا ترى بوضوح.
«الوعي الذاتي» أمر بالغ الأهمية لفهم الذات والجهل به ينقلنا لمرحلة «العمى الداخلي» وبالتالي عدم وضوح الدوافع، فقد أوضح العلماء أن هناك «آليات عصبية ومعرفية» خلف إدراك الذات تعزز فكرة أن فقدان هذه العملية تؤدي إلى العمى الداخلي.
فعدم تدريب الوعي الذاتي من أحد أهم أسباب الإصابة بعدم الإدراك أو ما يسمى العمى الداخلي حيث إن «الوعي» ليس أمراً تلقائياً، ولكنه مهارة تنمى.
وللكبت وربما الإقصاء العاطفي بعدم السماح عن التعبير بالمشاعر ودفنها داخل النفس حتى تصبح محجوبة عن الوعي وللهث بالانشغال الخارجي لساعات طويلة بتكريس
العمل والعلاقات والضجيج دون اللجوء للتأمل والتفكير ينتج عنه تراكم لمشاعر بداخلنا لم تعالج، ولعل لثقافة عدم التساؤل الذاتي ذلك النمط الفكري وربما الاجتماعي الذي يسود أغلب المجتمعات وتجعله يتجنب السؤال عن دوافعه ومشاعره ربما سلوكياته وكأنه يعيش على «الموروث» وعيب له أن يتساءل عن ما يقوم به هذا السلوك الجمعي فالتركيز يكون على الامتثال والطاعة أكثر من التفكير النقدي.
هنا تبدأ لغة الجسد بالظهور فالجسد «يتكلم» على هيئة أمراض عضوية من غير أسباب واضحة وربما عدم شعور بالراحة والقلق دون مبررات لذلك وكثيراً ما تتكرر أنماط سلوكية دون معرفة تكرارها وعواطف متضاربة يقودها شعور مضطرب كل هذه المتاهة الداخلية تحدث عندما نتجاهل المشاعر وندفنها داخل أنفسنا فالجسد لديه من الصدق ما يترجمه لنا بما لا نستطيع الحديث عنه بالكلام، فالجسد يعبر عن هذا الصمت كتحذير من تلك الفوضى المشاعرية الداخلية. ولكن يمكننا استعادة الرؤية الداخلية والتخلص من العمى الداخلي إن فهمنا أسباب فقدان ما يحركنا ومعرفة ما نجهله من مشاعر والسماح بالتساؤلات للنفس عن ماذا نريد ولماذا لا نريد فبهذه الأسئلة نصنع خريطة لحياتنا الداخلية نفهم من خلالها دوافعنا ومشاعرنا والكثير من رغباتنا وبالتالي سنفهم التناقضات التي كانت أشبه بعاصفة مشاعرية مرعبة.
فمراقبة الجسد وكثرة طرح الأسئلة للذات والتأمل تساعدنا على إضاءة الظلام الداخلي فكل هذه الأدوات ستساعدنا مع مرور الوقت على أن تكون مشاعرنا أكثر وضوحا وسينتج عنها تصرفات مدروسة تجعل من أجسادنا أقل اضطرابا.
فالعمى الداخلي ليس معضلة، ولكنه تنبيه للنظر إلى الداخل لفهم الذات وبناء حياة أكثر توازناً ووعياً.