د. خضر محمد العطوي
شهد ملتقى الصحة العالمي بنسخته الثامنة لهذا العام تدشين دستور الأدوية السعودي الذي يعتبر إحدى الركائز الأساسية في منظومة الرعاية الصحية وضمان جودة الدواء المصنع والمتداول في المملكة العربية السعودية لاعتماده مرجعا رسميا لدى شركات تصنيع الأدوية ومراكز الأبحاث الطبية والمختبرات التحليلية للمواد الدوائية في ضبط المعايير المتعلقة بإنتاج وتداول الأدوية والمستحضرات الصيدلانية ليكون إطاراً تشريعياً يضمن سلامة المستحضرات الدوائية واللقاحات وفعاليتها قبل وصولها إلى المريض في ظل التطور الكبير في الصناعة الدوائية وتنوع مصادر الأدوية وتعدد الشركات المنتجة، حيث أصبحت الحاجة إلى وجود دستور أدوية وطني أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى فبدون هذه الدساتير لن يكون هناك معيار موحّد يمكن الرجوع إليه لضمان جودة وسلامة وفاعلية الدواء الذي يتناوله الإنسان.
تعد دساتير الأدوية من الكتب المرجعية المعتمدة رسمياً في العديد من الدول حول العالم، حيث يضم في طياته مجموعة من المواصفات والمقاييس والمعايير الفنية التي تستخدم لتقييم جودة المواد الفعَّالة في تركيبات المستحضرات الصيدلانية المختلفة، يحتوى الدستور الدوائي على طرق التحليل والاختبارات الفيزيائية والكيميائية والمواصفات الخاصة بالمواد الخام وشروط التعبئة والتخزين وغيرها.. تحرص كثير من دول العالم على إصدار دستور أدوية وطني يتناسب مع ظروفها الصحية والصناعية ويكون متناسقاً مع الدساتير العالمية مثل دستور الأدوية البريطاني والأوروبي والأمريكي لضمان توافق الصناعة الدوائية المحلية مع المعايير العالمية.
كما تعد دساتير الأدوية من أهم الركائز التي يعتمد عليها أي نظام صحي متكامل في العالم كمرجع رسمي معتمد تصدره الجهات التشريعية للأدوية فهي تمثِّل المرجع العلمي والقانوني الذي ينظِّم عملية إنتاج وتداول الأدوية، حيث يشمل دستور الأدوية طرق الفحص والتحليل واختبارات النقاء والثبات واشتراطات التخزين والتعبئة وحتى المعايير الخاصة بالعبوات والملصقات الدوائية وبالتالي فإن دستور الأدوية يعتبر وثيقة قانونية وتنظيمية تحدد ما هو مقبول علمي أو صحي في صناعة الدواء.
ويأتي تدشين دستور الأدوية السعودي انعكاساً لدور هيئة الغذاء والدواء في ضمان جودة وسلامة الدواء فكل دواء يتم إنتاجه أو استيراده يجب أن يطابق المواصفات والمقاييس الواردة في دستور الأدوية السعودي للتأكد من نقاء المادة الفعَّالة للأدوية وخلوها من الشوائب الضارة وثبات الدواء أثناء التخزين حتى نهاية فترة صلاحيته بالإضافة إلى توحيد طرق التحليل بين الجهات الرقابية والمصانع في سبيل ضمان فاعلية المنتجات الدوائية بهذا يساهم الدستور الدوائي السعودي في تحقيق رؤيته في حماية المريض من الأدوية المغشوشة أو غير المطابقة مما يعزِّز ضمان جودة وسلامة وفاعلية الدواء في المنظومة الصحية الوطنية.
كما أنه لا يقتصر دور دساتير الأدوية على الدور الرقابي فقط، بل يعد أداة لتطوير الصناعة الدوائية المحلية كونه يعتبر مرجعاً علمياً معتمداً يُمكن شركات الأدوية الاستناد إليه في جميع مراحل الإنتاج من اختيار المواد الخام وحتى تغليف المنتج النهائي، كما أن وجود دستور وطني قوى يعزِّز من قدرة الشركات السعودية على المنافسة في الأسواق العالمية، إذ ثبت التزامها بالمعايير الدولية للجودة الدوائية في مراحل التصنيع الدوائي. بالإضافة إلى الجانب التعليمي والبحثي، حيث يعتبر وجود دستور دوائي وطني مرجعاً أساسياً في الجامعات وكليات الصيدلة حول المملكة يقدم من خلاله الأسس العلمية للتحليل الدوائي وطرق اختبار المواد الفعَّالة وفهم المعايير التي تحدد جودة الدواء. وبذلك فإن الدستور لا يخدم فقط قطاع الصناعة الدوائية، بل يمتد في المساهمة في تكوين جيل من الصيادلة والعلماء وبناء القدرات البشرية المؤهلة والقادرة على التعامل مع المعايير العلمية الدقيقة في تحليل وتطوير الأدوية والمساهمة في نمو مسار البحث والابتكار على المستوى العالمي.
في النهاية يمكن القول إن دستور الأدوية السعودي هو حجر الزاوية في بناء منظومة دوائية آمنة وفعَّالة فيعد هذا التدشين لدستور الأدوية السعودي تطويراً للمنظومة الرقابية على الأدوية فهو يجمع بين العلم والقانون وبين الجودة والتنظيم ليشكل الأساس الذي تُبنى عليه ثقة المريض في الدواء الذي يتناوله.
ومع استمرار التقدم العلمي وتوسع الصناعة الدوائية تزداد أهمية هذا الدستور كمرجع وطني يضمن أن يظل الدواء السعودي منافس في الجودة والأمان سواء داخل البلاد أو خارجها ويعزِّز امتثال المنتجات الدوائية المسجلة في المملكة لأعلى معايير الجودة والفعالية والسلامة. إن تدشين دستور الأدوية السعودي يعكس التزام الدولة وهيئاتها التشريعية ممثلةً في هيئة الغذاء والدواء بحماية صحة الإنسان وتعزيز مكانة المنتج الدوائي السعودي في مجال الدواء على مستوى المنطقة والعالم.
** **
- باحث أكاديمي بجامعة تبوك