السموأل محمد إبراهيم
في لحظة تفيض فخرا وتزدان اعتزازا، يكتب التاريخ سطورا جديدة من أمجاد المملكة العربية السعودية، التي تمضي بثبات في مسيرة استثنائية من البناء والتمكين، وتضيف إلى سجل إنجازاتها العالمية صفحة أخرى من صفحات المجد والريادة، فقد حققت المملكة إنجازا غير مسبوق، بفوزها برئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة (الإنتوساي)، خلال أعمال الجمعية العمومية الخامسة والعشرين للمنظمة المنعقدة في مدينة شرم الشيخ، لتتبوأ بذلك موقع الصدارة العالمي في قيادة أرفع المنظمات الدولية المتخصصة في المراجعة المالية ومراجعة الأداء.
حيث أعلنت الجمعية العمومية فوز المملكة ممثلة بـ الديوان العام للمحاسبة برئاسة المنظمة الدولية بدءا من عام 2031م ولمدة ثلاثة أعوام، في دورة رئاسية ستشهد خلالها المملكة استضافة وفود أكثر من 195 دولة حول العالم، لتتسلم من خلالها قيادة المنظومة الرقابية الدولية، وتؤكد للعالم مكانتها كمركز مرجعي عالمي في مجالات النزاهة والشفافية والمساءلة المالية.
ولم يكن هذا الفوز وليد صدفة عابرة، ولا ثمرة حظ مواتٍ، بل هو حصيلة مسيرة ممتدة من العمل المؤسسي الراسخ، والإصلاحات الهيكلية العميقة، والاستثمار المستمر في بناء الإنسان والأنظمة، حيث أرست المملكة خلال السنوات الماضية قواعد حوكمة متينة، وجعلت من الشفافية والنزاهة والمساءلة ركيزة رئيسة في رؤيتها الطموحة «رؤية السعودية 2030» حتى غدت هذه القيم ليست مجرد شعارات ترفع، بل واقعا حيا يمارس في كل مؤسسات الدولة وأجهزتها.
وفي هذا الإطار، أكد معالي الدكتور حسام بن عبدالمحسن العنقري، رئيس الديوان العام للمحاسبة، أن فوز المملكة بهذا المنصب الدولي المهم «سيدوَن في سجلات المملكة الزاخرة بالمنجزات على الصعيدين المحلي والدولي، في صورة تعكس المكانة العالمية التي بلغتها، والثقة الدولية التي تحظى بها، وقدرتها على أداء دور قيادي مؤثر في تعزيز النزاهة المالية عالميا».
كلمات الدكتور العنقري تجسد جوهر التحول السعودي، وتلخص مسيرة وطن آمن بأن الحوكمة الرشيدة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لبناء وطن مزدهر واقتصاد متين وإنسان فاعل. وهكذا تتحول الرقابة المالية في المملكة إلى مدرسة عالمية تحتذى، تستمد قوتها من منظومة قيمية متكاملة تجمع بين الكفاءة، والمصداقية، والمسؤولية.
من الرياض، عاصمة الرؤية وموئل القيادة، تنطلق اليوم رسالة جديدة إلى العالم: أن السعودية الجديدة ليست فقط نموذجا اقتصاديا صاعدا، بل مرجعا عالميا في الحوكمة والرقابة المالية والمساءلة المؤسسية. فنجد أن المملكة قد تجاوزت مفهوم الريادة المحلية لتصبح أحد أعمدة الفكر الرقابي العالمي، بما تمتلكه من تجربة ناضجة في تطوير الأنظمة المالية وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد العامة. وإن تولي المملكة رئاسة الإنتوساي يمثل تأكيدا عالميا على نضج تجربتها الرقابية، وقدرتها على الإسهام في صياغة معايير العمل الرقابي الدولي، وتطوير أطر الشفافية في إدارة المال العام، بما يسهم في تعزيز الثقة بالأنظمة المالية العالمية.
وهذا الفوز المشرف لا يعد إنجازا وطنيا فحسب، بل مسؤولية دولية كبرى تلقى على عاتق المملكة، التي ستقود من خلال هذا الموقع أضخم تحالف رقابي عالمي، يعنى بتعزيز النزاهة والحوكمة في مؤسسات الدول الأعضاء، ومن خلال هذه الرئاسة، ستسهم المملكة في تشكيل رؤية عالمية جديدة للرقابة المالية، توازن بين الابتكار الرقمي والتدقيق المهني، وبين التنمية المستدامة وحماية المال العام. وتتجلى قيمة هذا الإنجاز في كونه تتويجا لمسيرة وطن أدرك باكرا أن التميز لا يمنح، بل يصنع، وأن القيادة لا تكتسب بالمناصب، بل تكرس بالفعل والقدوة والالتزام، ولقد أثبتت السعودية أنها قادرة على الجمع بين الأصالة والتجديد، وبين القيم والمستقبل، وبين المكانة والرسالة، لتقدم للعالم نموذجا حديثا للدولة التي تبني حاضرها على أسس النزاهة والشفافية، وتستشرف مستقبلها بعين الحكمة والإتقان.
الريادة السعودية من منجز وطني إلى تأثير عالمي:
إن رئاسة المملكة للإنتوساي تمثل أكثر من إنجاز؛ إنها ترجمة حية لمكانة المملكة الدولية، وتجسيد لرؤيتها في أن تكون في موقع الريادة لا التبعية، وفي قلب الفعل لا على هامشه، كما أنها رسالة إلى العالم بأن الرياض اليوم لا تشارك في صنع القرار الدولي فحسب، بل تقوده بعزم وبصيرة ومسؤولية، مستندة إلى إرث حضاري عريق، وإلى قيادة تستشرف المستقبل بعين الثقة والإيمان بقدرات الوطن وأبنائه، ومن أرض مباركة انطلقت منها الرسالة الخالدة إلى العالم، تخرج اليوم رسالة أخرى تحمل في جوهرها قيم العدالة والنزاهة والمساءلة، وتعلن أن السعودية قادرة على أن تجمع بين روح الأصالة ووهج الحداثة، وبين تراثها المجيد وريادتها العالمية.
خاتمة: هكذا تواصل المملكة العربية السعودية رسم ملامح عصر جديد من التميز المؤسسي والشفافية العالمية، تعزز فيه حضورها في المنصات الدولية، وتكرس موقعها كدولة صانعة للمعايير، لا متلقية لها، وإن فوزها برئاسة الإنتوساي هو إعلان رسمي بأن التميز السعودي أصبح واقعا عالميا، وأن مسيرة الحوكمة الرشيدة التي بدأتها المملكة تثمر اليوم اعترافا دوليا بمكانتها، وثقة عالمية بدورها، وإيمانا راسخا بأن السعودية تمضي نحو المستقبل بثبات القائد وبصيرة الرائد، لا بخطى التابع، ومن على عرش الحوكمة والرقابة المالية العالمية، ترسل السعودية إلى العالم رسالة بليغة المعنى: أن الريادة ليست شعارا يرفع في لحظات الانتصار، بل ممارسة يومية تصاغ بإتقان، وتروى بعزم، وتبنى على إيمان راسخ بوطن لا يعرف المستحيل، لتبقى السعودية كما أرادتها رؤيتها: قلب العالم النابض بالثقة، وعنوان الريادة، وموئل الإلهام الذي لا ينطفئ.