د. محمد بن إبراهيم الملحم
استمرارا للحديث عن تقرير تاليس TALIS حول التعليم في السعودية، والذي صدر قبل شهر فأستكمل الحديث اليوم عن إجابات المعلمين، وكيف يمكن قراءتها من خلال واقع المعلمين الذي نعرفه.
فمن المجالات الجديدة في دراسة 2024 وجدت سبعة أسئلة حول كل من: وضوح التدريس، والتحفيز المعرفي، والتغذية الراجعة، ودعم ترسيخ التعلم، وتكييف التدريس مع احتياجات الطلاب المختلفة، ودعم التعلم الاجتماعي- العاطفي للطلاب، وإدارة الصف، وقد أفاد 78 % من المعلمين بالسعودية أنهم يحققون أهداف دروسهم في كل هذه المجالات «بدرجة كبيرة» أو «بدرجة كبيرة جدًا» وهي نسبة أعلى بكثير من متوسط دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) والذي يبلغ 44 % فقط، وأما عند النظر إلى كل مجال منفردا، أي من أجابوا بأنهم حققوا مجالا واحدا فقط، ولم يحققوا بقية المجالات أو ربما حققوا اثنين أو ثلاثة أيضا ولم يحققوها كلها معا (كما هو حال الـ 78 % الذين قالوا إنهم حققوها كلها معا في تدريسهم)، فإننا نجد أن المعدلات عالية جدا حيث كان أقلها هو 89 %، وهو يتضمن أن 89 % من المعلمين السعوديين يرون أنهم حققوا هدف «جذب الطلاب إلى أنشطة تتحدّاهم فكريًا» وهي نسبة أعلى من متوسط بقية الدول وهو 78%.
وتظل هذه الإجابة (وبالطبع بقية الإجابات التي كانت أعلى من هذه) محل تساؤل كبير؟! فإذا كنا ندرك جميعا أن الأنشطة التي تحمل «تحديا فكريا» تمثل أعلى مستوى من التدريس الفعال ولكن ها هي ظهرت لدينا (حسب إجابات المعلمين) بنسبة عالية تفوق كثيرا من الدول المتقدمة تعليميا (مثلا سنغافورة 77 %، كوريا 67 %، اليابان 48 %، فنلندا 67 %)، فإن ذلك كله يضع مصداقية إجابات معلمينا على محك التساؤل المنطقي.
بل إن المعلمين الجدد (خبرة التدريس لا تتجاوز خمس سنوات) أفاد 74 % منهم أنهم يحققون أهداف الدروس في كل المجالات السبعة معا وهي نسبة مشابهة لنسبة المعلمين ذوي الخبرة (79 %) مما يعني أن نمط هذه الإجابات غير الدقيقة قد يكون تحت تأثيرات السلوك الاجتماعي وليس انعكاسا لحقيقة الممارسة ذاتها، وهذا قد يكون جرس تنبيه إلى ضرورة النظر إلى إجراءات تطبيق هذه الدراسة محليا والتأكد أولا من اتساقها عبر المناطق والمحافظات، بل وحتى فيما بين المدارس في المحافظة الواحدة، كما أنه ينبغي مراجعة الترجمات والتحقق من ملاءمة التعبيرات المستخدمة لتتناسب مع ثقافة العمل المحلية والمفاهيم السائدة لدى من سيجيبون عن هذه الأسئلة، وكذلك هناك مهمة كبيرة على الجهة المطبقة في تدريب المعلمين وتوعيتهم بأهداف ومجالات الدراسة حتى لا يشعر أي معلم بالتهديد من بعض الأسئلة، فيقدم إجابات متحيزة تحت ضغط المخاوف التي تنشأ لديه نتيجة لسوء الفهم.
ويجب أيضا أن تكون هناك دراسات تالية حول نتائج الدراسة لتسبر غور مشكلات التطبيق من أجل فهم أعمق لكيفية ملاءمة ومواءمة إجراءات تطبيق الدراسة مع ظروف المملكة ومتغيراتها.
أشير اليوم إلى نتيجة وردت في اختبار بيزا PISA الأخير 2022 (والذي ترتبط به دراسة تاليس TALIS) حيث تم سؤال الطلاب فيه عن مناخ الانضباط في حصص الرياضيات فكان 24 % منهم يقولون إنهم لا يستطيعون العمل جيدًا في معظم أو كل الدروس، و 25 % منهم لا يصغون لما يقوله المعلّم، و 19 % منهم يتشتّتون لاستخدامهم الأجهزة الرقمية، و17 % يتشتّتون بسبب استخدام زملائهم للأجهزة، وهذا يعني أن لدينا ما مجموعه 36 % يتشتتون عن الدرس بسبب الأجهزة الإلكترونية! ولاشك أن هذا الانشغال والتشتت الملحوظ داخل الدرس (عدم إصغاء، تشتيت بالأجهزة) عوامل تخفّض «زمن التعلّم الفعلي» في حين أن أدبيات علم النفسي التربوي تؤكد أنّ الانضباط شرطٌ لالتقاط أثر الممارسات التدريسية الجيدة، ولذلك فإن هناك ضرورة لتعزيز إدارة الصف في هذه المرحلة، وأنه إذا ما تحقق فيتوقع له أن يسهم بشكل واضح في ارتفاع التعلم، وهو أيضا ما يجب ربطه بما قدمه المعلمون في استبيانهم أنهم يستهدفون مجالات تعلم إدراكية عليا وتحديات تعلم، في حين أن الطلاب يشكون نسبيا من انخفاض الانضباط الصفي المساعد على التعلم الجيد!
***
- مدير عام تعليم سابقا