في بعض الشركات، لا يقاس النجاح بالأرباح أو بحجم السوق، بل بعدد الشركاء الذين ما زالوا يتحدثون مع بعضهم بعد آخر اجتماع، وهو المؤشر الذي لم يتم إدراجه ضمن متطلبات الحوكمة عالمياً.
هذه الكيانات تشكل عصب الاقتصاد، وتحمل في داخلها مزيجاً مدهشاً من الإرث والطموح والعلاقات، وتعيش توازناً دقيقاً بين المؤسسة والإنسان، بين المشاعر والأنظمة، وبين الولاء للكيان والانتماء للأشخاص.
وإذا كانت الحوكمة هي الضابط الذي يضمن الاستدامة، فإن تطبيقها في بعض الشركات يتحول أحيانا إلى عرض مسرحي بطابع ودي، تتبدل فيه الأدوار بين الشريك والمدير، بينما تبقى الشركة في صراع البقاء على النص الصحيح.
دعونا نفتح الستار لبعض المشاهد من الواقع:
في بعض الشركات، الاجتماعات أشبه بلمة الغداء يوم الجمعة، فالكلمة للكبير أو للشريك الغاضب، أما الاعتراض فهو بند غير مدرج في جدول الاجتماع.
والقرارات تتخذ بدافع الود لا بدافع الجدوى، والمجاملة تتحول إلى سياسة داخلية مكتوبة «بقلم رصاص»، فالقرار الذي يرضي الجميع غالباً لا يرضي القوائم المالية.
أما الموظف الأكفأ، فيقف على الهامش يشاهد المشهد المعتاد، والموظف الذي يتقن فن إرضاء الشركاء يتقدم بثبات، حتى لو ابتعد تماما عن الإنتاج والإخلاص للكيان «وإن تسبب بضرر» فهنا الولاء للشركاء أهم من الولاء للكيان.
وهكذا، تختلط المهنية بالعلاقات في وصفة ناجحة لإنتاج الانقسام بنكهة «النوايا الحسنة».
ومع مرور الوقت تتسع الفجوة إلى أن يأتي أوان الرحيل، فتبدأ معركة «الانتقال السلس» التي تشبه سباق التتابع، ولكن دوم تسليم العصا.
الكل يجري، ولا أحد يعرف لمن ستصل النهاية، وعندها تتعطل القرارات، وتنقسم الولاءات، ويكتشف الملاك متأخراً أن شهادة الوفاة هي خطة معتمدة غير مكتوبة تتنظر «الإعلان الرسمي فقط»
الجميع يطالب بالتخطيط والإستراتيجيات، ولكن النتيجة، لا أحد يخطط وتصبح العملية تحت شعار «نحن لا نحل المشكلات مبكراً، بل ننتظر حدوثها لنوثقها بدقة عالية».
ونأتي لأجمل المشاهد «العدالة»، فالمفهوم جميل جدا طالما لا يهدد راحة بعض الملاك، والمكافآت تمنح بناء على «لا يزعل فلان» والنتائج تقاس بالنية الطيبة، فالعدالة مفهوم مقدس إلى أن يصطدم براحة بعض الملاك، وهكذا تتحول العدالة إلى قياس أداء عن طريق راحة الملاك لا عدالة جهد واستحقاق.
ورغم كل هذا، تبقى هذه الشركات كنزاً اقتصادياً وإنسانياً عظيماً، فيها دفء الإنسان وروح المبادرة وصدق الانتماء والاجتهاد.
ولكنها تحتاج إلى وعي مؤسسي يجعل هذه الشراكات «نقطة قوة» لا «نقطة ضعف» ويحول الخلاف إلى حوار منضبط لا صراع شخصي.
فالحوكمة ليست قيودا على القرار، بل ضمانة لاستمرار العلاقة، والاستدامة لا تورث، ولكنها تزرع كل يوم في اجتماع لم يلغ بسبب المزاج.
ما ورد هنا لا يتجاوز نصف المشهد، فلكل نقد جانب مضيء، وسنكمل في قادم الأيام بإذن الله هذا المشهد لنستعرض الجانب المشرق من الحوكمة.
** **
- زياد الجارد