أحمد بن عبدالرحمن آل سحمان
هل يشتكي الباب للبشر؟ هل يشتكي الباب من هجره؟ هل يشتكي الباب من طرقه؟!
لو كان حيا وله روح لأوقف كل من يعبر من أمامه بوضح النهار، وقال له: قف واستمع إليّ فلا تمر مرور الكرام، بل مر مرور المتفكر في ماض مختزل بداخلي، ولم أبرح مكاني انظر إليَّ أيها العابر، وإنني أعلم أن لسان حالك سيقول إنني ماض أخذ منه الدهر ولم يحم نفسه من الصدأ فتآكل سنة تلو سنة.! فما أريد منك أيها العابر إلا الاقتراب أكثر، ودقق النظر في أبواب الدور ومقابضها، هل تجد بها بصمات أصحاب الدار؟! فمنهم من قد رحل وأصبح تحت الثرى، ومنهم من كبر وهجرني، ومنهم من نحت ذكرياته على جدران الدور..
اقترب أيها العابر وأولج إلى الداخل ستجد أنفاس ساكنيها تعطر الأنوف، أخطو أكثر وأكثر إلى داخل الغرفة التي بالزاوية تجدها موصودة بشدة: أتعلم لماذا؟ إذا اقتربت من نافذتها الصغيرة وأطللت، انظر إلى الداخل ستجد أدوات مبعثرة هنا وهناك من أوراق أو قماش أو ثوب مهترئ أو شنطة يعلو سطحها الغبار، وإن نظرت إلى السقف وجدت ألواحا وسعف نخل وبينها أعشاش طيور قد كانت تسكنها بعد أصحاب الدور لهجرهم لها. فتراجع إلى الخلف وأمعن بالنظر فستجد ستارة قد اهترأت على مدخل باب فأزحها فستجد هناك أواني طبخ متناثرة وإناء به بقايا طعام!.
عُد للخلف بخطوات.. وأولج إلى مجلس الدار فسيتبادر إلى ذهنك سؤال: هل كان بالفعل يستوعب رجالا، فستجد الإجابة: نعم، قد كانوا يردف بعضهم بعضا، وتسمع لهم ضحكات وابتسامات، وكل منهم ينظر إلى الآخر وبعينيه دموع الضحك..
آه من زمن أريد أن أشتكي إليك: لماذا أهملت ولم يعد يرغب أحد بالسكن بي.. لعلمك أيها العابر لم اشتك منهم ومن كثرتهم فقد احتويتهم بجوار بعضهم.. أيها العابر إن كنت تعرف أحداً ممن كان يسكن بي أخبره أنني مشتاق أن يزورني، ويتحدث معي عن ذكرياته الطفولية ويحدثني عن أبناء من سكن الدور التي بجواري، ويحدثني عن لهوهم ولعبهم أمام أبواب الدور فسيأتي يوم ما ولا يتبقى مني من أثر اسم دار فلان.. فياليت لي روح أتنقل بها بين أرجاء المدينة للبحث عمن كان يسكنني، وأسامرهم ثم أعود أدراجي، أيها العابر سأترك لك رسالة فأوصلها لمن كان يسكن هنا إننا نشتاق لهم!!.
فهل هم يشتاقون إليّ؟ إنني أعلم أنهم بدور لها أبعاد وأطوال، وفيها ما لم أكن أملكه، فهل أصبحوا أبناء الدار بجوار بعض يتهامسون ويضحكون أم لا، عند خروجك والوداع من الدار اسكب بعضا من قطرات الماء على نباتات قد أزهرت على عتبة الباب؛ فهي من أنفاس صاحب الدار قبل رحيله فلي بها ذكرى!!.