سعد بن دخيل الدخيل
حين نادى المنادي بعد فتح الرياض واسترداده (المُلك لله ثم لعبدالعزيز)، سار الخبر السار في جميع أنحاء الرياض؛ فأسرع الأهالي إلى الحصن يباركون ويؤيدون ويتبادلون التهاني ودقت طبول الفرح ولعبوا العرضة حين أمر الملك -طيب الله ثراه- بإقامة العرضة أمام قصر المصمك تعبيراً عن هذا الفرح وهذا الانتصار. وكذلك أراد ترهيب جميع الأعداء داخل الرياض وخارجها بأن هذه المدينة الرياض ستكون -بإذن الله- فاتحة للتوحيد وفاتحة لجمع شمل هذا الوطن، فغنى بأعلى صوته شاعر العرضة عبدالرحمن آل مرشد التميمي الملقب بالحوطي بالأبيات وردد وراءه الشعب أبياته ولعب الجميع رقصة الحرب فرحاً وتخويفاً، فقال بأعلى صوته:
دار ياللي سعدها تو ماجاها
عقب ماهي ذليلة جالها هيبه
جو هل الدين والتوحيد وحماها
واذهب الله هل الباطل واصاحيبه
قام عبدالعزيز وشاد مبناها
شيخنا اللي بحكم الشرع يمشي به
بعد هذا الحدث العظيم الذي تم في 1319هـ وبعشرين سنة تقريباً أي في 1339هـ، استقبلت الرياض وليداً جديداً، كما استقبلته أسرته وأبصرت عينه النور فكانت تنظر للمستقبل بدائرة أكبر وأفق أوسع، جاء المبشرون لأبيه عبدالعزيز بن علي بن ريس وعمه عبدالله الذي كان ملازماً لأخية وشريكه في الحياة، وكان يظن أن هذا الابن الذي سماه على والده علي سيكمل مسيرته في الفلاحة والزراعة كيف لا ووالده قد انتقل من داخل الرياض المحاط بالأسوار ليستقر في الشرقية ذلك المكان المزدحم بالنخيل والمزارع قبل أن يقوم الشيخ عبدالله بن علي بن ريس - رحمه الله - بتقطيع نخل الشرقية ليصبح حياً سكنياً عامراً عام 1342هـ، بعد توسع الرياض وازدحام الناس فيه ويقال إنها أول مساهمة عقارية تمت في ذلك الوقت، وآل ريس يمتهنون الفلاحة والكثير من مزارع الرياض ونخيله أملاك لهم وأشهرها نخيل آل ريّس قبلي الرياض المعروفة باسم البابية وما تفرع منها مثل السبالة والشلخة والرشودي والصويلاني والحامدية والدقسي، وجميعها أملاك متقاربة، وهم من الأسر المعروفة في الرياض ومن الأسر أيضاً العريقة التي تنتسب إلى بني حنيفة، وهي تلك الأسرة الكريمة التي جاهدت أيضاً مع الملك عبد العزيز في فتوحاته وجهوده في توحيد الوطن، بل استشهد منهم ثلاثة أشخاص في إحدى غزوات الموحد رحمهم الله جميعاً بل إنها ساهمت في بناء الدولة منذ تأسيسها 1727م.
واشتهر من رجال ونساء كانوا من ذوي الرأي والمشورة ولديهم الحكمة والرزانة واتخذهم الملك عبدالعزيز من مستشاريه، ومنهم عبدالله بن علي الريس الذي التقى الملك عبدالعزيز في الكويت وكان يشتغل بالتجارة ويطلب الرزق بين الزبير وعمان والهند إلا أنه بعد استرداد الرياض صاحب الملك عبدالعزيز في غزواته، توفي - رحمه الله - 1369هـ، ومن آل ريس الكرام الشيخ صالح بن حمد بن ريس الذي ولد عام 1311هـ واشتغل بالعلم وقرأ على كبار العلماء، كان يؤم الأمير محمد بن عبدالرحمن بن فيصل أثناء التراويح في رمضان في مسجد عتيقة بالباطن في التفسير والحديث والوحيد وكان -رحمه الله- يعرف مواقيت الكسوف والخسوف، ففي الخمسينات من القرن الماضي ذكر لبعض من حوله أن الشمس ستكسف آخر الشهر، وحدد اليوم والساعة ثم كسفت الشمس بالفعل فاشتهر قوله. ولقي من ذلك عنتاً من بعض المتشدديين حيث رُمي بـ(السحر) و(الرمل) والنظر في النجوم، وحاول عبثاً أن يقنعهم بأن معرفة ذلك ممكن في علم الحساب، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قد أشار إلى ذلك في أحد كتبه، ولكنهم لم يقتنعوا، ووصل الأمر إلى الملك عبد العزيز -رحمه الله- فبحث المسألة مع العلماء الذين يجتمع بهم كل أسبوع، وقال لهم: أعطوني فتوى في هذه المسألة، ولكن المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف -رحمه الله- بما وهبه الله من عقل وعلم قال: إن بعض علماء السلف قد ذكر أن هذه المسألة ممكن أن تدرك بالحساب، ولكن لا ينبغي أن يُتفَوَّه بها عند العامة فحسمت المسألة وأُوْعِز إلى الشيخ صالح بن ريس بألا يعود إلى الحديث بمثل هذا الأمر. والطريف أن أحدهم لقي ابنه عبد الله في مكة المكرمة فقال له : أنت ولد الساحر ثم التفت إلى مرافقيه وقال: تصدقون أن والده قد قال: إن الشمس ستكسف يوم كذا وكسفت بل إنه قال: يبدأ الكسوف الساعة كذا وينتهي في الساعة كذا فعلق أحد المرافقين قائلاً: هذا هو والله السحر بعينه وعلمه.
ومن المعروف أن هذا الأمر عرف بالمراصد وغيرها ولم يعد هناك غرابة في حدوثه، توفي الشيخ صالح -رحمه الله- يوم الأحد الرابع عشر من صفر عام 1401هـ. ومنهم من النساء نورة بنت علي بن ريس -رحمها الله- وهي من فضليات النساء عقلاً وديانة ووجاهة حيث اشتهرت في الرياض بحسن منطقها ورجاحة عقلها وكانت امرأة نبيهة، وكانت تسلم على الملك عبدالعزيز ويأنس برأيها وحديها بل كانت ميسورة الحال فبيتها مفتوح لأقاربها وأصهارها. ولو تركنا المجال للحديث عن رجال أسرة آل الريس ونسائهم لطال بنا المقام، كونها أسرة أنجبت الأفذاذ والنجباء والصالحين والجماء الأفاضل، ولكن حديثي لكم عن شخص مختلف أخذ من آبائه وأجداده الأخلاق والعلم والرأي وشق طريقه نحو العالم من خلال التجارة والاشتغال بها، حديثي عن الذي أشرنا بداية إليه، عن علي بن عبدالعزيز بن علي بن ريّس، الذي ولد بعد استرداد الرياض كما أسلفت بعشرين عاماً تقريباً. حين تقرأ وتسمع عن سيرته وقصة كفاحه تقف منبهراً من أحداث مرت في حياته كانت جميعها محطات ملهمة للنشء وملهمة للجيل، رجل عصامي طموح، فبداية حين كان عمره ست سنوات تعلم القراءة والكتابة عند المعلم علي اليماني في مسجد الجفرة في دخنة، وسمي موقع المسجد بالجفرة بسبب ضيق مجراها أثناء السيل وهي لآل ريس وحفظ الشيخ علي - رحمه الله - القرآن الكريم، كما قرأ الشيخ علي على معلمه اليماني ثلاثة الأصول في التوحيد، ثم ذهب به والده عند المطوع ابن حيان ومساعده في التعليم سعد الحميدي ليتعلم الشيخ علي القرآن ولكن وفقاً لعلم التجويد فترعرع في كنف والده ويعمل معه ليل نهار في الزراعة، إلا أنه لم يستسلم للواقع الذي يعيشه في الرياض ويرى أنه يمكن أن يكون أفضل من ذلك، فاستغل المناخ الذي هيأه الملك عبدالعزيز بعد الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الرياض وسبل التبادل التجاري بينها وبين محيطها من دول الخليج والشام والقدس والأردن، وبدأ التفكير والتخطيط بشكل استراتيجي يغير حياته.
استيقظ في صباح أحد أيامه عندما كان في الثامنة عشرة من عمره أو أقل وهو يعلم ما سيعمل في يومه وكالمعتاد، فهو فلاح من أب وعم وأسرة ليس لها إلا أرضها تغرسها وتسقيها وترعاها وتنتظر ثمرها من تمور وحبوب وخضروات، لكنه أثناء عمله مزارعاً كان يمعن النظر في الشمس وشروقها ويقول في نفسه لا تشرق الشمس إلا من أرض يعتقد أنها باب المستقبل ومدخل لحياة أفضل، فجاء في استحياء لأبيه وحدثه حديث المتفائل الذي يرى أن الواقع يمكن أن يتغير وأن الحياة فسيحة بمجالاتها ووجهاتها، فقال إنه يريد أن يخرج للأحساء لطلب الرزق والتجارة، فرفض والده ولم يفلح في إقناعه، ولأن والده يحترم كثيراً أخاه الأكبر عبدالله ذهب علي له بأمر من أبيه وأخبره بنيته الخروج للأحساء، وحين رأى أن الأمر صعب تحجج بحيلة لطيفة وهي زيارة جده، فاشترط عمه عبدالله ألا تزيد المدة على خمسة عشر يوماً، فخرج من الرياض مع سيارة البريد التي تأتي من مكة وتيمم نحو الأحساء في عام 1360هـ في طريق صعب بين رمال الصحراء استغرق ثلاثة أيام وفي محفظته ريالات لا تتجاوز 500 ريال هي رأس ماله وجزء كبير منها سلفة من أكثر من شخص، وبدأ تجارته التي تقوم على شراء بضاعة من الأحساء على أن ترسل إلى الرياض ليتم بيعها ليستلم أرباحها، وكانت أول بضاعة للشيخ علي بن ريس فناجيل قهوة أرسلها إلى تجار الرياض ليبيعوها له، وهنا بدأت الأموال تزيد لديه وتنمو في ظل صفاء نيته وصدق ونقاء تعاملاته وثقة التجار به، فقصد البحرين كأول محطة تجارة له عام 1362هـ عن طريق ميناء العقير، فقصد شخصاً يقال له علي السليمان يعمل في الصرافة ليحول أموله من الريال إلى الروبية ليستلمها في البحرين وكان الريال يساوي روبية آنذاك، فوصل البحرين واشترى البضائع وكان محل ثقة من التجار في تسديد المبالغ، وكأن مبدأ الشيخ علي من أول يوم خرج من الرياض هو سداد القيمة وعدم تركها لتكون ديناً عليه ومؤجل إلا في أحلك الظروف.
مكث في الأحساء بعد خروجه من الرياض أكثر من سنتين وفي البحرين مثلها، ولأن رأس المال بارك الله له فيه وزاد، ولأنه يسمع أن مصدر بضائع البحرين من دبي قرر أن يغادر لها ويكون تجارة منها أيضاً، ولكنه منع من ركوب القارب في البحرين إلى دبي عدم وجود جواز له والجوزات تصدر في مكة المكرمة فقط، فرجع للأحساء لكن ابن جميعة أعطاه جوازه فالجوزات حينها لا يكون فيها صورة شخصية فانطلق ليغادر لكنهم طالبوه بتأشيرة لدبي والتأشيرات لدى البريطاني بلجوز ويسمى الحاكم البريطاني في البحرين، فقال إن التأشيرات تمنح من حاكم المتعمرات في بومباي وتأخذ من الوقت 15 يوماً أو ترسل إلى لندن لطلبها وتستغرق شهراً من الآن، وهذا ما حصل وكان ملك بريطانيا وقتها جورج السابع والد الملكة إليزابيث، ذهب إلى دبي وفي السوق قصد شراء البضائع فصادف راشد بن مكتوم والد الشيخ محمد وطلب منه البقاء في دبي وقال له « ديرتنا مقبله على خير « وقال سنساعدك ونمنحك الجنسية، فرفض الشيخ علي لحنينه لأهله وحبه للرياض وبساتينها، والطريف أنه بعد وفاة والده الحاكم مكتوم جاء في زيارة رسمية للرياض عند الأمير فيصل (الملك) فعرفه الشيخ راشد ورحب به ودعاه الشيخ علي لمنزله لكن الشيخ راشد اعتذر لقصر الزيارة، عاد الشيخ علي من دبي محملاً بالبضائع التي ربح فيها ونمت تجارته من خلالها.
ولكنه يمم نحو محطة ثالثة وكانت الكويت التي وصلها بحراً وتعرف على تجارها علي ويوسف المزيني والوزان وسليمان الصقر وزامل الزامل وأغلب تجار الكويت من نجد ماعدا العوضي وكما مارسه في البحرين ودبي مارسه في الكويت، ومن المواقف التي واجهته في ذهابه بحراً للكويت جنوح السفينة المقلة بسبب الرياح والعواصف لشواطئ إيران شرقاً، ومن الكويت توجه إلى العراق وكانت طبعاً للتجارة لكنه رجل مختلف ويجيد وبشكل عالٍ فن الاتصال، فقابل السفير الشهم الكريم محمد الحمد الشبيلي الذي كان له موقف عجيب معه، حيث نوى بن ريس السفر لسوريا والأردن وكان ومنعته المفوضية من السفر لهما، فاتجه للشبيلي - رحمه الله - فأخذ جوازه ليكتب بيده تصريح السفر عليه ولكنه اشترط لإعادة جوازه له بأن قال له «تعال تغد عندي الظهر وخذه» فوافق بن ريس وحضر للغداء لكن الشبيلي رفض أيضاً وقال إنه سيأخذه بنفسه من الفندق الذي يسكنه إلى محطة القطار، فحضر للفندق وحاول الشبيلي حينها دفع فاتورة الإقامة فيه إلا أن بن ريس قد سبقه لذلك ولكنه لم يعيده له ثم أخذه لمحطة القطار وهم بشراء التذكرة إلا أن بن ريس قد اشتراها، فقال الشبيلي له «ما فيك حيله يا ابن ريس» وهذا من تواضع الشبيلي (أبوسليمان) وطيب أخلاق - رحمة الله عليه رحمة واسعة -، كما قابل مفتي العراق محمد الألوسي، ولأن سمعته تسبق وجوده فقد تعامل معه تجار العراق ومنهم عدس والخضوري وساسون بكل ثقة، فقد سلّمه يهودي سيارات من نوع دومنتي اشتراها بن ريس منه ليبيعها في الكويت أو الرياض، وكانت هذه السيارات الأربع من مخلفات الحرب العالمية الثانية دون أن يأخذ منه مالاً في ذلك بل وخصص له سيارات بقطع غيار لها جديدة في صناديق خشبية مغلقة.
كان له أكثر من موقف مع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الأول منها حين كان طفلاً أتم حفظ القرآن، فقد أُخذ مع الحفظة إلى الملك عبدالعزيز في قصر البديعة على خيول تذهب بهم وتكريماً لهم وبعد مقابلته منحهم الملك عبدالعزيز -رحمة الله عليه- مكافأة مالية على حفظهم، والثاني حين عودته وهو صغير من الأحساء فقد جاء مع سيارة يقودها عبدالله بن ورقان تنقل الركاب بين الأحساء والرياض، والطريق يبدأ من الأحساء مروراً بعريعره ثم رماح ثم الرياض في طرق رملية غير معبدة، فتعطلت السيارة قبل رماح فمشى على قدميه حتى وصل إلى رماح مع عبدالله بن معمر ومحمد الدغيلبي وصادفوا سيارة البريد فطلبوا منه إسعافهم إلا أنه رفض بحجة أنه مسؤول عن بريد ابن سعود لإيصاله إلى الكويت فأخذ بن ريس رقم لوحة سيارة البريد وسجلها عنده، فأكملوا سيرهم فاستقبلهم أمير رماح عبدالله الشنيفي في منتصف الليل وأكرمهم وأبرق للملك عبدالعزيز بما أصاب السيارة التي تنقل الركاب وأكثرهم من النساء والأطفال وموقف سيارة البريد منهم، فتلقى الرد مباشرة بإسعافهم وتم ذلك ثم ذهب الثلاثة إلى روضة التنهات لمقابلة الملك عبدالعزيز وكان أول من دخل عليه بن ريس فقال له الملك «بيض الله وجيهكم يا عيالي اللي أسعفتوا أخوياكم والله أنكم رجاجيل»، فرد بن ريس عليه وقال: «أنت يا طويل العمر اللي جزاك الله خير أنت تسهر والناس نايمين»، وقد أرسل الملك عبدالعزيز لابن عطيشان وكان مأمور الشرطة باستدعاء سائق سيارة البريد ومعاقبته، والموقف الثالث هو حين تمت مصادرة الذهب الذي حاول بن ريس خروجه من الرياض لاستعماله للتجارة، فذهب للملك عبدالعزيز في مجلسه يطالب بما تمت مصادرته فجاء دوره واطلع الملك على خطابه المكتوب وقال: أنت هالحين يا ابن ريس تهرب الذهب ولك وجه تطالب به، فرد بن ريس بقوله: عسى الله يطول عمرك لو كذبت على غيرك ما كذبت عليكن لكن أوجدوا حل للناس، فكأنه لفت نظر الملك للتعاملات التبادلية في العملات لغرض التجارة فقال لرجل عنده تعال يا ابن عثمان اكتب لابن ريس على عبدالله بن سليمان يرد له ذهبه وإن شاء الله نوجد لكم حل. والموقف الرابع حين حضر حفل افتتاح القطار بين الدمام والرياض، وكان الملك عبدالعزيز يردد: الله لا يميتني إلا رابط نجد بالبحر، فاستدعي بارجر رئيس أرامكو وقتها وقال له نرغب في إنشاء سكة بين نجد والبحر، فقال له بارجر تقصد سكة قار أي إسفلت، فقال الملك لا بلسكة حديدية. ولما تم المشروع أقيم احتفال بهذه المناسبة وكان الشيخ علي من المدعوين لحفل افتتاحه عام 1371هـ قبل وفاة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بعامين، قام في الحفل بارجر وجاء عند الملك وكان على رأسه قبعة فقال: أنا أول من أشار عليكم بسكة الحديد، فقام الملك ونزل قبعته على وجه بارجر وقال أنا اللي قلت: الله لا يميتني إلا رابط نجد بالبحر ولا أنت يوم قلت لك عن السكة تقول حطوها سكة قار، فضحك بارجر والحاضرون من ممازحة بارجر ومن كلام الملك والموقف الذي حصل بينهما.
سلم بن ريس على الرئيس المصري عبدالناصر بل وركب معه في القطار من السويس للقاهرة، وذلك حين نقل والده للعلاج في بيروت، فذهب إلى مصر لمقابلة الأمير سعود (الملك) حين كان ولياً للعهد فقال إنه اتجه للسويس فذهب فوجده في اجتماع مع الرئيس عبدالناصر وشكري القوتلي والملك حسين على متن باخرة فسلم له خطابه وذهب، فجاءت البرقية من الأمير سعود (الملك) وهو في الباخرة إلى ممثليه في لبنان بعلاج والده.
الشيخ علي بن ريس شخصية وطنية محبة لكل ما يخدم الوطن ويحرص على المساهمة فيه، لذا كان له دور في عدة مشاريع كبرى في الرياض ومنها جامعة الملك سعود فقد قرر تجار الرياض، وبن ريس منهم، في اجتماع لهم في منزل عبدالعزيز الحقباني إقامة احتفال بمناسبة عودة الملك سعود للرياض، فنفذ الاحتفال في مخيم يقع الآن قريب من مبنى الجامعة القديم في الملز فقدر الحفل بمبلغ 500 ألف ريال، فقالوا للملك ما رأيكم أن يبنى بهذا المبلغ كلية على غرار المدرسة التذكارية التي بنيت بمناسبة عودة الملك عبدالعزيز للرياض من مصر، فتحدث معه الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ أن التجار يتشكرون جلالتكم ويستأذنونكم في بناء كلية نواة لجامعة الملك سعود، فرد عليه الملك سعود نرحب نرحب نرحب ثلاثاً، وقال: ومني 500 ألف أخرى ومن آل منصور (الأمير منصور بن عبدالعزيز) 500 ألف ريال ونحطها عند الحقباني وحددت الأرض في الموقع القديم لجامعة الملك سعود في الملز.
كما كان له دور في إنشاء الغرفة التجارية لتسهيل الاعتمادات البنية والتعاملات التجارية مع دول المنطقة، وطلب الملك سعود موافقة الشيخ المفتي محمد بن إبراهيم الذي رفض في بادئ الأمر خوفاً من أن تقوم الغرفة بسن قوانين، إلا أن بن ريس بين له أن هذه الغرفة ستكون تحت مظلة وزارة التجارة فوافق وأنشأت وتم استئجار شقة في شارع الثميري مقراً لها، لكن الأمر لم ينتهِ فقد أكمل أمير منطقة الرياض ومهندس تطويرها الأمير سلمان بن عبدالعزيز (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله -) شراء قطعة أرض كبيرة للغرفة التجارية بالرياض ثم منح قطعة أرض مجاورة يمتلكها للغرفة بسعر رمزي كل ذلك لأجل الرياض.
وأما تأسيس شركة الكهرباء فكان في معرض الفريق الذي علق الجرس من الحكومة ومن التجار لتأسيسها لينعم أهل الرياض بالكهرباء، وحين واجهوا مشكلة نقل المكائن من القطار الذي أحضرها من الدمام لموقع الشركة في الرياض فبنيت سكة حديد مؤقتة لنقل هذه المكائن وتثبيتها في مكانها لتبدأ العمل.
له مواقف تعزز تمكين المرأة وإيجاد مساحات لها لخدمة ذاتها ومجتمعها والوطن، ومنها أنه أدخل بناته في مدرسة طلال عام 1375هـ وكانت برسوم مقداره 500 ريال للسنة الواحدة والمشرفة عليها الأستاذة ليلى من جمهورية مصر العربية، حينها نقل للشيخ محمد بن إبراهيم أن علي بن ريس أدخل بناته في المدرسة فاستدعاه الشيخ وأخذ يلومه على ذلك ويقول: يا علي عليك الشرهة تدخل بناتك يدرسون ما يجوز، فقال له يا شيخ المرأة التي تدرسهم خريجة الأزهر، والمشرفون عليها فضلاء وأنا مطمئن منهم، وأسمع من الناس أنهم يقولون طلب العلم واجب على كل رجل وامرأة فقال أجل ما علي منك وقام وأنا كنت أفكر أنه زعلان، وعندما فُتحت المدارس الحكومية نقل بناته لها بعدما أغلقت مدرسة طلال.
تزوج الشيخ بن ريس من منيرة بنت محمد العبدالقادر العمران عام 1363هـ وكانت امرأة صالحة فاضلة ساهمت مع الشيخ علي في تربية الأبناء والبنات في ظل انشغال والدهم بالتجارة والسفر والترحال، حيث أنجبت له ستاً من البنات وخمسة من الأبناء الذي كانوا ولازال لهم بصمات في خدمة الوطن سواء من خلال وظائف حكومية وخاصة أو عبر ممارسة التجارة، وهم عبدالله وعبدالمنعم وخالد وعبدالمحسن وعبدالعزيز -حفظهم الله-، وكان عطوفاً عليهم يسمع لهم وينصت في حكمة وروية ليتجاوزا عقبات الحياة، فكانت أسرته مترابطة متماسكة يجمعها حب وألفة ورثوها منه ونقلوها لأحفاده وحفيداته -رحمه الله-، وقد قال في مرض وفاته في المستشفى لأحد زواره «أبشرك أن عيالي راضين عني»، وقد توفي الشيخ علي بن عبدالعزيز بن علي بن ريس يوم الأحد 13 ذي القعدة 1430هـ في مدينة الرياض، غفر الله له وأسكنه فسيح جناته.